يُسْراً) بأن يسهل عزوجل أمره عليه ، وقيل : اليسر الثواب (وَمَنْ) قيل : للبيان قدم على المبين للفاصلة ، وقيل : بمعنى في ، وقيل : تعليلية (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من الأحكام وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة في الفضل ، وإفراد الكاف ـ مع أن الخطاب للجمع كما يفصح عنه قوله تعالى : (أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) لما أنها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضي لا لتعيين خصوصية المخاطبين (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) بالمحافظة على أحكامه عزوجل (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) فإن الحسنات يذهبن السيئات (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) بالمضاعفة ، وقرأ الأعمش ـ نعظم ـ بالنون التفاتا من الغيبة إلى التكلم ، وقرأ ابن مقسم ـ يعظم ـ بالياء والتشديد مضارع عظم مشددا ، وقوله تعالى :
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢)
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل : (أَسْكِنُوهُنَ) إلخ ، و (مِنْ) للتبعيض أي أسكنوهن بعض مكان سكناكم ، ولتسكن إذا لم يكن إلا بيت واحد في بعض نواحيه كما روي عن قتادة ، وقال الحوفي وأبو البقاء : هي لابتداء الغاية ، وقوله تعالى : (مِنْ وُجْدِكُمْ) أي من وسعكم أي مما تطيقونه عطف بيان لقوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) على ما قاله الزمخشري ، ورده أبو حيان بأنه لا يعرف عطف بيان يعاد فيه العامل إنما هذا طريقة البدل مع حرف الجر ولذلك أعربه أبو البقاء بدلا ، وتعقب بأن المراد أن الجار والمجرور عطف بيان للجار والمجرور لا المجرور فقط حتى يقال ذلك مع أنه لا يبرد له بسلامة الأمير وأنه لا فرق بين عطف البيان والبدل إلا في أمر يسير ، ولا يخفى قوة كلام أبي حيان ، وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي عبلة وأبو حيوة «من وجدكم» بفتح الواو ، وقرأ الفياض بن غزوان ، وعمرو بن ميمون ويعقوب بكسرها ـ وذكرها المهدوي عن الأعرج ـ والمعنى في الكل الوسع (وَلا تُضآرُّوهُنَ) ولا تستعملوا معهن الضرار في السكنى (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) فتلجئوهن إلى الخروج بشغل المكان أو بإسكان من لا يردن السكنى معه ونحو ذلك (وَإِنْ كُنَ) أي المطلقات (أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) فيخرجن عن العدة ، وأما المتوفى عنهن أزواجهن فلا نفقة لهن عند أكثر العلماء ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود تجب نفقتهن في التركة ، ولا خلاف في وجوب سكنى المطلقات أولات الحمل ونفقتهن بت الطلاق أو لم يبت.