سورة الرّحمن
وسميت في حديث أخرجه البيهقي عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا «عروس القرآن» ورواه موسى بن جعفر رضي الله تعالى عنهما عن آبائه الأطهار كذلك «وهي مكية» في قول الجمهور ، وأخرج ذلك ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم وابن النحاس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أنها نزلت بالمدينة ، وحكي ذلك عن مقاتل ، وحكاه في البحر عن ابن مسعود أيضا ، وحكي أيضا قولا آخر عن ابن عباس وهو أنها مدنية سوى قوله تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرحمن : ٢٩] الآية ، وحكي الاستثناء المذكور في جمال القراء عن بعضهم ولم يعينه ، وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في الكوفي والشامي ، وسبع وسبعون في الحجازي ، وست وسبعون في البصري.
ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال الجلال السيوطي : أنه لما قال سبحانه في آخر ما قيل (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) [القمر : ٤٦] ثم وصف عزوجل حال المجرمين (فِي سَقَرَ) [القمر : ٤٨] ؛ وحال المتقين (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) [القمر : ٥٤] فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة ، والإشارة إلى شدّتها ، ثم وصف النار وأهلها ، ولذا قال سبحانه : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] ولم يقل الكافرون ، أو نحوه لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) [القمر : ٤٧] ثم وصف الجنة وأهلها ولذا قال تعالى فيهم : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وذلك هو عين التقوى ولم يقل ولمن آمن ، أو أطاع ، أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل ؛ ويعرف بما ذكر أن هذه السورة كالشرح لآخر السورة قبلها ، وقال أبو حيان في ذلك : إنه تعالى لما ذكر هناك مقر المجرمين في سعر ، ومقر المتقين (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٤] ذكر سبحانه هنا شيئا من آيات الملك وآثار القدرة ، ثم ذكر جل وعلا مقر الفريقين على جهة الإسهاب إذ كان ذكره هناك على جهة الاختصار ، ولما أبرز قوله سبحانه : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) بصورة التنكير فكأن سائلا يسأل ويقول من المتصف بهاتين الصفتين الجليلتين؟ فقيل : «الرحمن» إلخ ، والأولى عندي أن يعتبر في وجه المناسبة أيضا ما في الإرشاد وهو أنه تعالى لما عدد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم الله عزوجل ، وبيّن عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لتذكر الناس واتعاظهم ونعى عليهم إعراضهم عن ذلك عدد في هذه السورة الكريمة ما أفاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية والآفاقية وأنكر عليهم أثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها ، وهذا التكرار أحلى من السكر إذ تكرر ، وفي الدرر والغرر لعلم الهدى السيد المرتضى التكرار في سورة «الرحمن» إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة ، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك