والمكاء ، بتخفيف الكاف والمد : الصفير ، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء ، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا ، وقال قوم : سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك ، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء ، قال الأعشى :
والمكاكيّ والصّحاف من الف |
|
ضّة والضامرات تحت الرحال |
قال وأما قولهم : إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم : قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان : يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها ، ويقال أيضا : سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم : امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا ، وهذا قول أهل اللغة ، وقال آخرون : سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه ، وقال الشرقيّ : روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى ، وقال آخرون : بكة موضع البيت وما حول البيت مكة ، قال : وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري ، وقال عبيد الله الفقير إليه : ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه ، وقيل : إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا ، وقيل : سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه ، وينشد قول بعضهم :
يا مكة الفاجر مكي مكّا ، |
|
ولا تمكّي مذحجا وعكّا |
وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال : بكة موضع البيت وموضع القرية مكة ، وقيل : إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا ، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال : بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله ، وقال زيد بن أسلم : بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح ، ولها أسماء غير ذلك ، وهي : مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها ، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة ، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان ، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر ، والمقدسة والناسّة والباسّة ، بالباء الموحدة ، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم ، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار ، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم :
وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب
وسماها الله تعالى أم القرى فقال : لتنذر أم القرى ومن حولها ، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ، وقال تعالى : لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد ، وقال تعالى : وليطّوّفوا بالبيت العتيق ، وقال تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ ،) وقال تعالى على لسان إبراهيم ، عليه السّلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ،) وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم ، عليه السلام : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي