ولم يكن أحد أشدّ إعظاما له من الأوس والخزرج ، قال أبو المنذر : وحدث رجل من قريش عن أبي عبيدة عبد الله بن أبي عبيدة بن عمّار بن ياسر وكان أعلم الناس بالأوس والخزرج قال : كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ مأخذهم من عرب أهل يثرب وغيرها فكانوا يحجون ويقفون مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رؤوسهم فإذا نفروا وأتوا مناة وحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده لا يرون لحجهم تماما إلا بذلك ، فلإعظام الأوس والخزرج يقول عبد العزّى بن وديعة المزني أو غيره من العرب :
إني حلفت يمين صدق برّة |
|
بمناة عند محلّ آل الخزرج |
وكانت العرب جميعا في الجاهلية يسمون الأوس والخزرج جميعا الخزرج ، فلذلك يقول :
بمناة عند محل آل الخزرج
ومناة هذه التي ذكرها الله تعالى في قوله عز وجل : ومناة الثالثة الأخرى ، وكانت لهذيل وخزاعة ، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها فلم تزل على ذلك حتى خرج رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، من المدينة في سنة ثمان للهجرة وهو عام الفتح ، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس ليال بعث علي ابن أبي طالب إليها فهدمها وأخذ ما كان لها وأقبل به إلى رسول الله ، وكان من جملة ما أخذه سيفان كان الحارث بن أبي شمر الغساني أهداهما لها أحدهما يسمّى مخذما والآخر رسوبا وهما سيفا الحارث اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة في شعره فقال :
مظاهر سربالي حديد عليهما |
|
عقيلا سيوف مخذم ورسوب |
فوهبهما النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، لعلي ، رضي الله عنه ، فأحدهما يقال له ذو الفقار سيف الإمام علي ، ويقال إن عليّا وجد هذين السيفين في الفلس وهو صنم طيء حيث بعثه رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فهدمه ، وقد جرى ذكر ذلك في الفلس على وجهه ، وقال ابن حبيب : كانت الأنصار وأزد شنوءة وغيرهم من الأزد يعبدون مناة وكان بسيف البحر سدنته الغطاريف من الأزد ، قال الحازمي : ومناة أيضا موضع بالحجاز قريب من ودّان.
مُنْبَجس : من نواحي اليمامة قرية لبني العنبر.
مَنْبِجٌ : بالفتح ثم السكون ، وباء موحدة مكسورة ، وجيم : وهو بلد قديم وما أظنه إلا روميّا إلا أن اشتقاقه في العربية يجوز أن يكون من أشياء ، يقال : نبج الرجل ينبج إذا قعد في النّبجة وهي الأكمة ، والموضع منبج ، ويجوز أن يكون قياسا صحيحا ، ويقال : نبج الكلب ينبج ، بالجيم ، مثل نبح ينبج معنى ووزنا ، والموضع منبج ، ويجوز أن يكون من النبيج وهو طعام كانت العرب تتخذه في المجاعة يخاض الوبر في اللبن فيجدح ويؤكل ، ويجوز أن يكون من النبج وهو الضراط ، فأما الأول وهو الأكمة فلا يجوز أن يسمى به لأنه على بسيط من الأرض لا أكمة فيه ، فلم يبق إلا الوجوه الثلاثة فليختر مختار منها ما أراد :
فقال : ثكل وغدر أنت بينهما ، |
|
فاختر فما فيهما حظّ لمختار |
وذكر بعضهم أن أول من بناها كسرى لمّا غلب على الشام وسماها من به أي أنا أجود فعرّبت فقيل له منبج ، والرشيد أول من أفرد العواصم ، كما ذكرنا في العواصم ، وجعل مدينتها منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ، وقال بطليموس : مدينة منبج طولها إحدى وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة ،