طالعها الشولة ، بيت حياتها تسع درج من الحوت لها شركة في كف الخضيب وأربعة أجزاء من رأس الغول تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، عاشرها مثلها من الحمل ، رابعها مثلها من الميزان ، وهي في الإقليم الرابع ، قال صاحب الزيج : طولها ثلاث وستون درجة ونصف وربع ، وعرضها خمس وثلاثون درجة ، وهي مدينة كبيرة واسعة ذات خيرات كثيرة وأرزاق واسعة في فضاء من الأرض ، كان عليها سور مبنيّ بالحجارة محكم ، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ ، وشربهم من قنيّ تسيح على وجه الأرض ، وفي دورهم آبار أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة ، وهي لصاحب حلب في وقتنا ذا ، ومنها البحتري وله بها أملاك ، وقد خرج منها جماعة من الشعراء ، فأما المبرّزون فلا أعرف غير البحتري ، وإياها عنى المتنبي بقوله :
قيل بمنبج مثواه ونائله |
|
في الأفق يسأل عمن غيره سألا |
وقال ابن قتيبة في أدب الكتّاب : كساء منبجانيّ ولا يقال أنبجاني لأنه منسوب إلى منبج ، وفتحت باؤه في النسب لأنه خرج مخرج منظراني ومخبراني ، قال أبو محمد البطليوسي في تفسيره لهذا الكتاب : قد قيل أنبجاني وجاء ذلك في بعض الحديث ، وقال : أنشد أبو العباس المبرّد في الكامل في وصف لحية :
كالأنبجانيّ مصقولا عوارضها ، |
|
سوداء في لين خدّ الغادة الرّود |
ولم ينكر ذلك وليس في مجيئه مخالفا للفظ منبج ما يبطل أن يكون منسوبا إليها لأن المنسوب يرد خارجا عن القياس كثيرا كمروزي ودراوردي ورازي ونحو ذلك ، قلت : دراوردي هو منسوب إلى درابجرد ، وقرأت بخط ابن العطّار : منبج بلدة البحتري وأبي فراس وقبلهما ولد بها عبد الملك بن صالح الهاشمي وكان أجلّ قريش ولسان بني العباس ومن يضرب به المثل في البلاغة ، وكان لما دخل الرشيد إلى منبج قال له : هذا البلد منزلك ، قال : يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك ، قال : كيف بناؤك به؟ فقال : دون بناء بلاد أهلي وفوق منازل غيرهم ، قال : كيف صفتها؟ قال : طيبة الهواء قليلة الأدواء ، قال : كيف ليلها؟ قال : سحر كله ، قال : صدقت إنها لطيبة ، قال : بل طابت بك يا أمير المؤمنين ، وأين يذهب بها عين الطيب وهي برّة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء في فياف فيح بين قيصوم وشيح ، فقال الرشيد : هذا الكلام والله أحسن من الدّر النظيم ، ورأيت في كتاب الفتوح أن أبا عبيدة بعد فتح حلب وأنطاكية قدّم عياضا إلى منبج ثم لحقه صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية فأنفذ ذلك ، وقال إبراهيم بن المدبّر يتشوّق إلى منبج وكان قد فارقها وله بها جارية يهواها وكان قد ولي الثغور الجزريّة :
وليلة عين المرج زار خياله |
|
فهيّج لي شوقا وجدّد أحزاني |
فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحا |
|
بألمح آماقي وأنظر إنساني |
لعلّي أرى أبيات منبج رؤية |
|
تسكّن من وجدي وتكشف أشجاني |
فقصّر طرفي واستهلّ بعبرة ، |
|
وفدّيت من لو كان يدري لفدّاني |
ومثّله شوقي إليه مقابلي ، |
|
وناجاه عني بالضمير وناجاني |