مؤنثة لكن اعتبر إجراء ذلك على موصوف مذكر فذكر أي شيء منفطر به والنكتة فيه التنبيه على أنه تبدلت حقيقتها وزال عنها اسمها ورسمها ولم يبق منها إلّا ما يعبر عنه بالشيء. وقال أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة والكسائي وتبعهم منذر بن سعيد التذكير لتأويل السماء بالسقف وكان النكتة فيه تذكير معنى السقفية والإضلال ليكون أمر الانفطار أدهش وأهول وقال أبو عليّ الفارسي التقدير ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع أي ذات رضاع فجرى على طريق النسب وحكي عنه أيضا أن هذا من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر وأعجاز نخل منقعر يعني أن السماء من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماءة واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث فجاء منفطر على التذكير وقال الفراء السماء يعني المظلة تذكر وتؤنث فجاء (مُنْفَطِرٌ) على التذكير ومنه قوله الشاعر :
فلو رفع السماء إليه قوما |
|
لحقنا بالسماء وبالسحاب |
وعليه لا حاجة إلى التأويل وإنما تطلب نكتة اعتبار التذكير مع أن الأكثر في الاستعمال اعتبار التأنيث ولعلها ظاهرة لمن له أدنى فهم وحمل الباء في (بِهِ) على الآلة هو الأوفق لتهويل أمر ذلك اليوم وجوز حملها على الظرفية أي السماء منفطر فيه وعود الضمير المجرور على اليوم هو الظاهر الذي عليه الجمهور وقال مجاهد يعود على الله تعالى أي بأمره سبحانه وسلطانه عزوجل فهو عنده كالضمير في قوله تعالى (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) فإنه له تعالى لعلمه من السباق والمصدر مضاف إلى فاعله ويجوز أن يكون لليوم كضمير به عند الجمهور والمصدر مضاف إلى مفعوله (إِنَّ هذِهِ) إشارة إلى الآيات المنطوية على القوارع المذكورة (تَذْكِرَةٌ) أي موعظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) بالتقرب إليه تعالى بالإيمان والطاعة فإنه المنهاج الموصل إلى مرضاته عزوجل ومفعول (شاءَ) محذوف والمعروف في مثله أن يقدر من جنس الجواب أي فمن شاء اتخاذ سبيل إلى ربه تعالى اتخذ إلخ وبعض قدره الاتعاظ لمناسبة ما قبل أي فمن شاء الاتعاظ (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) والمراد من نوى أن يحصل له الاتعاظ تقرب إليه تعالى لكن ذكر السبب وأريد مسببه فهو الجزاء في الحقيقة واختار في البحر ما هو المعروف وقال إن الكلام على معنى الوعد والوعيد.
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٠)
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) أي زمانا أقل منهما استعمل فيه الأدنى وهو اسم تفضيل من دنا إذا قرب لما أن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز فهو فيه مجاز مرسل لأن القرب يقتضي قلة الاحياز بين الشيئين فاستعمل في لازمه أو في مطلق القلة وجوز اعتبار التشبيه بين القرب والقلة ليكون هناك استعارة والإرسال أقرب وقرأ الحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السميفع وهشام وابن مجاهد عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل «ثلثي» بإسكان اللام وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنصب عطفا على (أَدْنى) كأنه قيل يعلم أنك تقوم من الليل أقل من ثلثيه وتقوم نصفه وتقوم ثلثه وقرأ العربيان ونافع ونصفه وثلثه بالجر عطفا على (ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) أي تقوم أقل من الثلثين وأقل من