النصف وأقل من الثلث والأول مطابق لكون التخيير فيما مر بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين والثاني مطابق لكون التخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين وبين الثلث وهو أدنى من النصف وبين الربع وهو أدنى من الثلث كذا قال غير واحد فلا تغفل واستشكل الأمر بأن التفاوت بين القراءتين ظاهر فكيف وجه صحة علم الله تعالى لمدلولها وهما لا يجتمعان وأجيب بأن ذلك بحسب الأوقات فوقع كل في وقت فكانا معلومين له تعالى واستشكل أيضا هذا المقام على تقدير كون الأمر واردا بالأكثر بأنه يلزم إما مخالفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما أمر به أو اجتهاده والخطأ في موافقة الأمر وكلاهما غير صحيح أنا الأول فظاهر لا سيما على كون الأمر للوجوب وأما الثاني فلأن من جوز اجتهاده عليه الصلاة والسلام والخطأ فيه يقول إنه لا يقر عليه الصلاة والسلام على الخطأ وأجيب بالتزام أن الأمر وارد بالأقل لكنهم زادوا حذرا من الوقوع في المخالفة وكان يشق عليهم وعلم الله سبحانه أنهم لو لم يأخذوا بالأشق وقعوا في المخالفة فنسخ سبحانه الأمر كذا قيل فتأمل فالمقام بعد محتاج إليه وقرأ ابن كثير في رواية شبل «وثلثه» بإسكان اللام (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) عطف على الضمير المستتر في (تَقُومُ) وحسنه الفصل بينهما أي وتقوم معك طائفة من أصحابك (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلّا الله تعالى فإن تقديم اسمه تعالى مبتدأ مبينا عليه يقدر دال على الاختصاص على ما ذهب إليه جار الله ويؤيده قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) فإن الضمير لمصدر يقدر لا للقيام المفهوم من الكلام والمعنى علم أن الشأن لن تقدروا على تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ولا يتأتى لكم حسابها بالتعديل والتسوية إلّا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط وذلك شاق عليكم بالغ منكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة عنكم في تركه فالكلام على الاستعارة حيث شبه الترخيص بقبول التوبة في رفع التبعة واستعمل اللفظ الشائع في المشبه به في المشبه كما في قوله تعالى (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) [البقرة : ١٨٧] وزعم بعضهم أنه على ما يتبادر منه فقال فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به وليس بشيء (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها. وقيل الكلام على حقيقته من طلب قراءة القرآن بعينها وفيه بعد عن مقتضى السياق ومن ذهب أي الأول قال إن الله تعالى افترض قيام مقدار معين من الليل في قوله سبحانه (قُمِ اللَّيْلَ) إلخ ثم نسخ بقيام مقدار ما منه في قوله سبحانه (فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا) الآية فالأمر في الموضعين للوجوب إلّا أن الواجب أولا كان معينا من معينات وثانيا كان بعضا مطلقا ثم نسخ وجوب القيام على الأمة مطلقا بالصلوات الخمس ومن ذهب إلى الثاني قال : إن الله تعالى رخص لهم في ترك جميع القيام وأمر بقراءة شيء من القرآن ليلا فكأنه قيل فتاب عليكم ورخص في الترك (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) إن شق عليكم القيام فإن هذا لا يشق وتنالون بهذه القراءة ثواب القيام وصرح جمع أن (فَاقْرَؤُا) على هذا أمر ندب بخلافه على الأول هذا واعلم أنهم اختلفوا في أمر التهجد فعن مقاتل وابن كيسان أنه كان فرضا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بهن إلّا ما تطوعوا به ورواه البخاري ومسلم في حديث جابر ، وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والدارمي وابن ماجة والنسائي عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالت : ألست تقرأ القرآن؟ قلت : بلى قالت : فإن خلق نبي الله تعالى القرآن قال : فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ثم بدا لي فقلت أنبئيني عن قيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : ألست تقرأ يا أيها المزمل؟ قلت : بلى ، قالت : فإن الله تعالى افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله وأصحابه حولا