وأمسك الله تعالى خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله تعالى في آخر السورة التخفيف وصار قيام الليل تطوعا. وفي رواية عنها أنه دام ذلك ثمانية أشهر وعن قتادة دام عاما أو عامين وعن بعضهم أنه كان واجبا وإنما وقع التخيير في المقدار ثم نسخ بعد عشر سنين وكان الرجل كما قال الكلبي يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين وقيل كان نفلا بدليل التخيير في المقدار وقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [الإسراء : ٧٩] حكاه غير واحد وبحثوا فيه لكن قال الإمام صاحب الكشف لم يرد هذا القائل إن التخيير ينافي الوجوب بل استدل بالاستقراء وإن الفرائض لها أوقات محدودة متسعة كانت أو ضيقة لم يفوض التحديد إلى رأي الفاعل وهو دليل حسن. وأما القائل بالفرضية فقد نظر إلى اللفظ دون الدليل الخارجي ولكل وجه وأما قوله ولقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ) إلخ فالاستدلال بأنه فسر (نافِلَةً لَكَ) أن معناه زائدة على الفرائض لك خاصة دون غيرك لأنها تطوع لهم وهذا القائل لا يمنع الوجوب في حقه عليه الصلاة والسلام وإنما يمنعه في حق غيره صلىاللهعليهوسلم والآية تدل عليه فلا نظر فيه ثم إنه لما ذكر سبحانه في تلك السورة (وَمِنَ اللَّيْلِ) أي خص بعض الليل دون توقيت وهاهنا وقت جل وعلا ودل على مشاركة الأمة له عليه الصلاة والسلام قوله تعالى (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) نزل ما ثم على الوجوب عليه صلىاللهعليهوسلم خاصة وهاهنا على التنفل في حقه وحق الأمة وهذا قول سديد إلّا أن قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) يؤيد الأول انتهى وعنى بالأول القول بالفرضية عليه عليه الصلاة والسلام وعلى الأمة وظواهر الآثار الكثيرة تشهد له لكن في البحر أن قوله تعالى (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع إذ لو كان فرضا عليهم لكان التركيب (و (الَّذِينَ مَعَكَ)) إلّا أن أعتقد أنه كان منهم من يقوم في بيته ومنهم من يقوم معه فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع انتهى وأنت تعلم أنه لا يتعين كون (مِنْ) تبعيضية بل تحتمل أن تكون بيانية ومن يقول بالفرضية على الكل صدر الإسلام بحملها على ذلك دون البعضية باعتبار المعية فإنها ليست بذاك والله تعالى أعلم. وأفادت الآية على القول الأخير في قوله سبحانه (فَاقْرَؤُا) إلخ ندب قراءة شيء من القرآن ليلا وفي بعض الآثار من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن وفي بعضها من قرأ مائة آية كتب من القانتين وفي بعض خمسين آية والمعول عليه من القولين فيه القول الأول وقد سمعت أن الأمر عليه للإيجاب وأنه كان يجب قيام شيء من الليل ثم نسخ وجوبه عن الأمة بوجوب الصلوات الخمس فهو اليوم في حق الأمة سنة وفي البحر بعد تفسير (فَاقْرَؤُا) يصلوا وحكاية ما قيل من النسخ وهذا الأمر عند الجمهور أمر إباحة وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ولو قدر حلب شاة وقال ابن جبير وجماعة هو فرض لا بد منه ولو بمقدار خمسين آية انتهى. وظاهر سياقه أن هؤلاء قائلون بوجوبه اليوم وأنه لم ينسخ الوجوب مطلقا وإنما نسخ وجوب معين وهذا خلاف المعروف فعن ابن عباس سقط قيام الليل عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصار تطوعا وبقي ذلك فرضا على رسول الله عليه الصلاة والسلام وأظن الأمر غنيا عن الاستدلال فلنطو بساط القيل والقال نعم كان السلف الصالح يثابرون على القيام مثابرتهم على فرائض الإسلام لما في ذلك من الخلوة بالحبيب والأنس به وهو القريب من غير رقيب نسأل الله تعالى أن يوفقنا كما وفقهم ويمن علينا كما منّ عليهم بقي هنا بحث وهو أن الإمام أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه استدل بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) على أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة لا الفاتحة بخصوصها وهو ظاهر على القول بأنه عبر فيه عن الصلاة بركنها وهو القراءة كما عبر عنها بالسجود والقيام والركوع في مواضع وقدر ما تيسر بآية على ما حكاه عنه الماوردي وبثلث على ما حكاه عنه ابن العربي والمسألة مقررة في الفروع وخص الشافعي ومالك ما تيسر