وتسومح فيما تقدم وإن يكونا جمع عذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار وانتصابهما على العلية والعامل فيهما «الملقيات» أو (ذِكْراً) وهو بمعنى التذكير والعظة بالترغيب والترهيب أي (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) لأجل العذر للمحقين أو لأجل النذر للمبطلين أو على الحالية من «الملقيات» أو الضمير المستتر فيها على التأويل أي عاذرين أو منذرين أو على البدلية من (ذِكْراً) على أن المراد به الوحي فيكونان بدل بعض أو التذكير والعظة فيكونان بدل كل وإن يكونا وصفين بمعنى عاذرين ومنذرين فنصبهما على الحالية لا غير. و (أَوْ) في جميع ذلك للتنويع لا للترديد ومن ثم قال الدينوري في مشكل القرآن إنها بمعنى الواو ، وقيل الثانية طوائف نشرن الشرائع في الأرض إلى آخر ما تقدم ، ووجه العطف بأن المراد أردن النشر فنزلن فألقين واحتيج للتأويل لمكان الإلقاء إلى الأنبياء عليهمالسلام وإلّا فهو لا يحتاج إليه في النشر والفرق لظهور ترتب الفرق على النشر كذا قيل فلا تغفل ، وقيل طوائف نشرن النفوس الموتى بالكفر الجهل بما أوحين ففرقن إلخ والنشر على هذا بمعنى الإحياء وفيما قبله بمعنى الإشاعة. وقيل لا مغايرة بين الكل إلّا بالصفات وهم جميعا من الملائكة على الأقوال السابقة بيد أنه لم يعتبر هذا القائل تفسير النشر بنشر الأجنحة فقال : أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة أرسلهن عزوجل بأوامره متتابعة فعصفن عصف الرياح في الامتثال ونشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا ، وظاهره أيضا أن الإرسال للأنبياء بالشرائع من الأمر والنهي بناء على أن الأوامر جمع جمع مخصوص بالأمر مقابل النهي ، ففي كلامه الاكتفاء. وخص الأمر بالذكر قيل لأنه أهم مع أنه لا يؤدي ما يراد من النهي بصيغته كدع مثلا. وقيل في عطف (النَّاشِراتِ) بالواو دون الفاء وعطف «الفارقات» به أن النشر عليه بمعنى الإشاعة للشرائع وهو يكون بعد الوحي والدعوة والقبول ، ويقتضي زمانا فلذا جيء بالواو ولم يقرن بالفاء التعقيبية. وإذا حصل النشر ترتب عليه الفرق من غير مهلة ولا يتوهم أنه كان حق (النَّاشِراتِ) حينئذ ثم لأنه لا يتعلق القصد هاهنا بالتراخي ويبقى الكلام في وجه تقديم نشر الشرائع أو نشر النفوس والفرق على الإلقاء مع أنهما بعده في الواقع فقيل الإيذان بكونهما غاية للإلقاء حقيقة بالاعتناء أو الإشعار بأن كلا من الأوصاف مستقل بالدلالة على استحقاق التعظيم كما سمعت على أن باب التأويل واسع فتذكر. وقيل : أقسم سبحانه بأفراد نوعين من الرياح فيقدر للمرسلات موصوف وللناشرات موصوف آخر ، ويراد بالمرسلات الرياح المرسلة للعذاب لأن الإرسال شاع فيه ، وبالناشرات رياح رحمة وحاصله أنه جل وعلا أقسم برياح عذاب أرسلهن فعصفن ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقنه على البقاع فألقين ذكرا إما (عُذْراً) للذين يعتذرون إلى الله تعالى بتوبتهم واستغفارهم إذا شاهدوا آثار رحمته تعالى في الغيث. وإما (إنذارا) للذين يكفرون ذلك وينسبونه إلى الأنواء ونحوها وإسناد إلقاء الذكر إليهن لكونهن سببا في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن أو كفرت فالتجوز في الإسناد ، والمراد ب (عُرْفاً) متتابعة أو الناشرات رياح رحمة نشرن النبات وأبرزنه أي صرن سببا لذلك بنشر السحاب وإدراره ففرقن كل صنف منه عن سائر الأصناف بالشكل واللون وسائر الخواص فتسببن (ذِكْراً) إما (عُذْراً) للشاكرين وإما (نُذْراً) للكافرين. وقيل أقسم سبحانه أولا بالرياح وثانيا بسحائب نشرن الموات ففرقن بين من يشكر وبين من يكفر كقوله تعالى (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [الجن : ١٦ ، ١٧] فتسببن (ذِكْراً) إما وإما وقيل : أقسم جل وعلا بآيات القرآن المرسلة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضلا وإحسانا أو شيئا بعد شيء لأنها نزلت منجّمة فعصفن وأذهبن سائر الكتب بالنسخ ونشرن آثار الهدى في مشارق الأرض ومغاربها وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق في أكتاف العالمين. وقيل : أقسم جل جلاله برسله من البشر أرسلوا إحسانا وفضلا كما هو المذهب