تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم : ٣٤] وإما على أن مصداقه الكل من حيث هو كمل بطريق رفع الإيجاب الكلي دون السلب الكلي فالمعنى لما يقض جميع أفراده ما أمره بل أخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل أن لا يختلف عنه أحد. وعن الحسن أن (كَلَّا) بمعنى حقا فيتعلق بما بعده أي حقا لم يعمل بما أمره به. وقال ابن فورك : الضمير في (يَقْضِ) لله تعالى أي لم يقض الله تعالى لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان بل أمره إقامة للحجة عليه لما يقض له ولا يخفى بعده. والظاهر عليه أن (كَلَّا) بمعنى حقا أيضا وقوله سبحانه (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) على معنى إذا كان هذا حال الإنسان وهو أنه إلى الآن لم يقض ما أمره مع أن مقتضى النعم السابقة القضاء فلينظر إلى طعامه إلخ لعله يقضي. وفي الحواشي العصامية لا يخفى ما في قوله تعالى (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) من كمال تهييج الإنسان وتحريضه على امتثال ما يعقبه من الأمر بالنظر وتفريع الأمر عليه مبني على أن الائتمار كما ينبغي أن يتيسر بعد الارتداع عما هو عليه ، والظاهر أن المراد بالإنسان هنا نحو ما أريد به في قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسانُ) ولما جوز صاحب الحواشي المذكورة حمل عدم القضاء على السلب الكلي وجعل الكلام في الإنسان المبالغ في الكفر قال : فالمراد بضمير (يَقْضِ) غير الإنسان الذي أمر بالنظر فإنه عام فلذا أظهر وتضمن ما مر ذكر النعم الذاتية أي ما يتعلق بذات الإنسان من الذات نفسها ولوازمها ، وهذا ذكر النعم الخارجية المقابلة لذلك وقيل : الأولى نعم خاصة والثانية نعم عامة. وقيل : تلك نعم متعلقة بالحدوث وهذه نعم متعلقة بالبقاء وفيه نظر. والظاهر أن المراد بالطعام المطعوم بأنواعه واقتصر عليه ولم يذكر المشروب لأن آثار القدرة فيه أكثر من آثارها في المشروب واعتبار التغليب لا يخفى ما فيه.
(أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)(٤٢)
وقوله تعالى (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) بدل منه بدل اشتمال فإنه لكونه من أسباب تكونه كالمشتمل عليه والعائد محذوف أي صببنا له ، وجوز كونه بدل كل من كل على معنى فلينظر الإنسان إلى إنعامنا في طعامه إنا صببنا إلخ وهو كما ترى وأيّا ما كان فالمقصود بالنظر هو البدل وبذلك يضعف ما روي عن أبيّ وابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم أن المعنى فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعا ليتأمل عاقبة الدنيا وما تهالك عليه أهلها ، ولعمري إن هذا بعيد الإرادة عن السياق ولا أظن أنه وقع على صحة روايته عن هؤلاء الأجلّة الاتفاق. وظاهر الصب يقتضي تخصيص الماء بالغيث وهو المروي عن ابن عباس وجوز بعضهم إرادة الأعم. وقال : إن في كل ماء صبا من الله تعالى بخلق أسبابه على أصول النباتات وأنت تعلم أن إيصال الماء إلى أصول النباتات يبعد تسميته صبا وتأكيد الجملة للاعتناء بمضمونها مع كونها مظنة لإنكار القاصر لعدم الإحساس بفعل من الله تعالى وإنما يعرف الاستناد إليه عزوجل بالنظر الصحيح. وقرأ الأكثر «إنّا» بالكسر على الاستئناف البياني كأنه لما أمر سبحانه بالنظر إلى ما رزقه جل وعلا من أنواع المأكولات قيل كيف أحدث ذلك وأوجد بعد أن لم يكن فقيل (أَنَّا صَبَبْنَا) إلخ وقرأ الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجههما ورضي سبحانه