بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) (١٦)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) قيل الويل شدة الشر ، وقيل : الحزن والهلاك ، وقيل العذاب الأليم ، وقيل جبل في جهنم وأخرج ذلك عن عثمان مرفوعا ابن جرير بسند فيه نظر. وذهب كثير إلى أنه واد في جهنم. فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره». وفي صحيحي ابن حبان والحاكم بلفظ : «واد بين جبلين يهوي فيه الكافر» إلخ وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله أنه واد في جهنم من قبح. وفي كتاب المفردات للراغب قال الأصمعي : ويل قبوح وقد يستعمل للتحسر ، ومن قال : ويل واد في جهنم لم يرد أن ويلا في اللغة موضوع لهذا ، وإنما أراد من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له انتهى. والظاهر أن إطلاقه على ذلك كإطلاقه جهنم على ما هو المعروف فيها فلينظر من أي نوع ذلك الإطلاق وأيّا ما كان فهو مبتدأ وإن كان نكرة لوقوعه في موقع الدعاء ، و (لِلْمُطَفِّفِينَ) خبره ، والتطفيف البخس في الكيل والوزن لما أن ما يبخس في كيل أو وزن واحد شيء طفيف أي نزر حقير ، والتفعيل فيه للتعدية أو للتكثير ولا ينافي كونه من الطفيف بالمعنى المذكور لأن كثرة الفعل بكثرة وقوعه وهو بتكراره لا بكثرة متعلقه. وعن الزجاج أنه من طف الشيء جانبه.
وقوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) إلخ صفة مخصصة للمطففين الذين نزلت فيهم الآية ، أو صفة كاشفة لحالهم شارحة لكيفية تطفيفهم الذي استحقوا به الويل أي إذا أخذوا من الناس ما أخذوا بحكم الشراء ونحوه كيلا يأخذونه وافيا وافرا ، وتبديل كلمة على هنا بمن قيل لتضمين (الاكتيال) معنى الاستيلاء ، أو للإشارة إلى أنه اكتيال مضر للناس لا على اعتبار الضرر من حيث الشرط الذي يتضمنه إذا لإخلاله بالمعنى بل في نفس الأمر بموجب الجواب بناء على أن المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافيا من غير نقص بل مجرد الأخذ الوافي الوافر حسبما أرادوا بأي وجه يتيسر من وجوه الحيل ، وكانوا يفعلونه بكبس المكيل ودعدعة المكيال إلى غير ذلك. وقيل : إن ذلك لاعتبار أن اكتيالهم لما لهم من الحق على الناس فعن الفراء أن من وعلى يعتقبان في هذا الموضع ، فيقال : اكتلت عليه أي أخذت ما عليه كيلا واكتلت منه أي استوفيت منه كيلا وتعقب بأنه مع اقتضائه لعدم شمول الحكم لاكتيالهم قبل أن يكون لهم على الناس شيء بطريق الشراء ونحوه مع أنه الشائع فيما بينهم يقتضي أن يكون معنى الاستيفاء أخذ ما لهم على الناس وافيا من غير نقص إذ