سورة التّين
ويقال لها سورة التين بلا واو مكية في قول الجمهور. وعن قتادة أنها مدنية وكذا عن ابن عباس على ما في البحر ومجمع البيان برواية المعدل. وأخرج عنه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي ما يوافق قول الجمهور ويؤيده إشارة الحضور في قوله تعالى (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين : ٣] فإن المراد به مكة بإجماع المفسرين فيما نعلم. وآيها ثمان آيات في قولهم جميعا. ولما ذكر سبحانه في السورة السابقة حال أكمل النوع الإنساني بالاتفاق بل أكمل خلق الله عزوجل على الإطلاق صلىاللهعليهوسلم ذكر عزوجل في هذه السورة حال النوع وما ينتهي إليه أمره وما أعد سبحانه لمن آمن منه. بذلك الفرد الأكمل وفخر هذا النوع المفضل صلىاللهعليهوسلم وشرف وعظم وكرم فقال عز قائلا :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)(٨)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) إقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير ، فأما البلد الأمين فمكة حماها الله تعالى بلا خلاف. وجاء في حديث مرفوع «وهو مكان البيت الذي هو هدى للعالمين» ومولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومبعثه و (الْأَمِينِ) فعيل إما بمعنى فاعل أي الآمن من أمن الرجل ـ بضم الميم ـ أمانة فهو أمين ، وجاء أمان أيضا كما جاء كريم وكرام ولم يسمع آمن اسم فاعل وسمع على معنى النسب كما في قوله تعالى (حَرَماً آمِناً) [القصص : ٥٧ ، العنكبوت : ٦٧] بمعنى ذي أمن ، وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ففيه تشبيه بالرجل الأمين وإما بمعنى مفعول أي المأمون من أمنه أي لم يخفه. ونسبته إلى البلد مجازية. والمأمون حقيقة الناس أي لا تخاف غوائلهم فيه أو الكلام على الحذف والإيصال أي المأمون فيه من الغوائل. وإقحام اسم الإشارة للتعظيم. وأما (طُورِ سِينِينَ) فالجبل الذي كلم الله تعالى شأنه موسى عليهالسلام ويقال له طور سيناء ـ بكسر السين والمد وبفتحها والمد ـ وقد قرأ بالأول هنا بدل (سِينِينَ) عمر بن الخطاب وعبد الله وطلحة والحسن وبالثاني عمر أيضا وزيد بن علي و «طور سينين» بفتح السين وهي لغة بكر وتميم