والأرواح الشريرة وسلطانه منها. وقدر بعضهم النساء موصوفا والأول أولى ليشمل الرجال ويتضمن الإشارة السابقة ويطابق سبب النزول ، فإن الذي سحره صلىاللهعليهوسلم كان رجلا على المشهور كما ستسمع إن شاء الله تعالى. وقيل : أعانه بعض النساء ولكون مثل ذلك من عمل النساء وكيدهن غلب المؤنث على المذكر هنا وهو جائز على ما فصله الخفاجي في شرح درة الغواص. والنفث النفخ مع ريق كما قال الزمخشري. وقال صاحب اللوامح : هو شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان يريق فهو تفل والأول هو الأصح لما نقله ابن القيم من أنهم إذا سحروا واستعانوا على تأثير فعلهم بنفس يمازجه بعض أجزاء أنفسهم الخبيثة. وقرأ الحسن «النّفّاثات» بضم النون وقرأ هو أيضا وابن عمر وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية «النافثات» وأبو الربيع والحسن أيضا «النفثات» بغير ألف كالحذرات ، وتعريفها إما للعهد أو للإيذان بشمول الشر لجميع أفرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى البخاري ومسلم وابن ماجة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا الله ثم دعا ثم دعا ثم قال : «أشعرت يا عائشة أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟» قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ فقال : «جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما وجه الرجل؟ قال : مطبوب. قال : من طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم. قال : في أي شيء؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. قال : فأين هو؟ قال في بئر ذي أروان». قالت : فأتاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أناس من أصحابه ثم قال : «يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رءوس الشياطين». قالت : فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال : «لا أما أنا فقد عافاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس شرا فأمرت بها فدفنت». وهذان الملكان على ما يدل عليه رواية ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس هما جبريل وميكائيل عليهماالسلام ، ومن حديثهما في الدلائل للبيهقي بعد ذكر حديث الملكين فما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم غدا ومعه أصحابه إلى البئر فدخل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيها مشط رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن مشاطة رأسه ، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإذا فيها إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فأتاه جبريل عليهالسلام بالمعوذتين فقال : يا محمد (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وحل عقدة (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) وحل عقدة حتى فرغ منهما وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إلّا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة ، فقيل : يا رسول الله لو قتلت اليهودي؟ قال : «قد عافاني الله تعالى وما يراه من عذاب الله تعالى أشد». وفي رواية إن الذي تولى السحر لبيد بن الأعصم وبناته ، فمرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم فنزل جبريل بالمعوذتين وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره ، فأرسل صلىاللهعليهوسلم عليا كرم الله تعالى وجهه والزبير وعمارا فنزحوا ماء البئر وهو كنقاعة الحناء ثم رفعوا راعوثة البئر فأخرجوا أسنان المشط ومعها وتر قد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فجاءوا بها النبي صلىاللهعليهوسلم فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد عليه الصلاة والسلام خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين. فقال صلىاللهعليهوسلم كأنما أنشط من عقال الخبر. والرواية الأولى أصح من هذه.
وقال الإمام المازري : قد أنكر ذلك الحديث المبتدعة من حيث إنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها ، وإن تجويزه يمنع الثقة بالشرع ، وأجيب بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص ولا يلزم عليه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لأن الكفار أرادوا بقولهم مسحور أنه مجنون وحاشاه ، ولو سلم إرادة ظاهره فهو كان قبل