المقدمة الفكرية
ضرورة المعجزة بين مفهوم
شمولية الرسالة وخاتم النبيين
حينما نراجع بعض خصائص نبوّة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم الذي أظهره الله على الدين كلّه وأكّد الله سبحانه وتعالى في قرآنه الحكيم أنه أكمل له الدين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة / ٣] ، نجد أن هناك تفرّدا وتميزا لهذه النبوة لم يكن مثلها لأحد من الأنبياء السابقين على كثرتهم ، هذا التفرد والتميز يظهران من خلال خصوصيتين اثنتين أكدهما الله سبحانه وتعالى في قرآنه المجيد ، وتحدّث عنهما الرسول صلىاللهعليهوسلم في عدة أحاديث. أما الخصوصية الأولى فهي في كونه صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى الناس كافة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ / ٢٨] ، ويقول الرسول الكريم في حديثه (١) (أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحل لنبيّ قبلي ، وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة) ، ومعنى هذه الخصوصية أن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، دون غيره من الأنبياء ، أرسل إلى الخلق كلهم ، سواء كانوا إنسا أو جنّا ، وسواء كانوا عربا أم عجما ، في حين كان الرسول حين يرسل قبله يرسل إلى قومه فقط. والخصوصية الثانية من خصائص نبوته هي كونه خاتم النبيين ، فلا نبوّة ولا نبي ، بعده ، قال تعالى (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب / ٤٠] ، ويقول الرسول الكريم في حديثه (٢) (مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فكان كل من دخلها فنظر إليها قال ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة ، فأنا موضع هذه اللبنة ، ختم بي الأنبياء) ، ويقول في حديث آخر (٣) (أنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون كلّهم يزعم
__________________
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ القاضي عياض ، ج ١ ، ص ٣٢٩.
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ـ محمّد علي الصابوني ، ج ٣ ، ص ١٠٠.
(٣) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ـ السيوطي ، ج ٣ ، ص ١٠٠.