الأنبياء السابقين كانت كذلك ، عليها أن تتحدى كل عصر بما يتقنه ذلك العصر ويتفنن فيه ويحس بعظمته وكبريائه من خلاله؟ ألم يتحدّ موسى عليهالسلام سحرة فرعون بعصاه لأن العصر كان عصر سحر وسحرة؟ ألم يتحدّ عيسى عليهالسلام طب اليونان وأطباء عصره حينما جاءهم بشفاء وإحياء لم يكن ولن يكون مثله أبدا؟
وأخيرا ، ألم يتحدّ نبينا عليه الصلاة والسلام شعراء وخطباء قريش والعرب جميعا حينما جاء ببلاغة القرآن بنفس لغتهم ، ونفس حروفها وكلماتها ولكن بإعجاز جعل أشعر الشعراء وأخطب الخطباء إذا سمعه بهت وأعلن عجزه وآمن بأنه من عند الله! لقد أدى القرآن العظيم وظيفته خير أداء في تعجيز كل العرب الذين حضروه وعاصروه عن أن يأتوا بسورة من مثله ، وهم أهل اللغة والفصاحة والبلاغة التي لم يلحقهم بها أحدا!
وعلى القرآن وظيفة أخرى الآن لكي لا يتم الحديث عن أن المعجزة انتهت بانتهاء عصر من خاطبتهم بلغتها ، وتحدّتهم آنذاك وأصبحت الآن خبرا يروى كباقي معجزات الأنبياء مع أقوامهم ، هذه الوظيفة تأتيه من كونه جاء معجزا لكل من الإنس والجن ، ولكل زمان ومكان ، لأنه لا نبي بعد خاتم الأنبياء ، ولا معجزة ولا وحي ولا رسالة ، وعليه هو ، باعتباره معجزة خاتم الأنبياء الذي أرسل للخلق كافة ، أن يقوم بهذه المهمة وأن يكون حجّة الله البالغة على العالمين في كل عصر وحين وحتى قيام الساعة!
لقد مضت أجيال وأجيال ، وجاءت وتجيء أجيال أخر تطالب بحجتها وبرسولها ومعجزتها (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر / ٢٤] وإلا فما ذنبهم أن يكونوا متأخرين عن عصر الرسل وختمت النبوة قبلهم؟ أيعذب الله الناس يوم القيامة قبل قيام الحجة عليهم؟ حاشالله.
من كل ما تقدم ، نجد أن القرآن هو المعجزة الخالدة التي تبقى عاملة عملها كما نزلت في حياة الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم ، وبنفس القوّة المتحدّية لكل عصر ، ويفخر بما يقول أحد الباحثين (١) : «إذا قدر أن يبحث العلم الأديان عن طريق بحث ظاهرة النبوّة ، فسيجد أن العقبة في سبيله هي أن معجزاتها قد مرّت وانقضت ، فهو لا يجد سبيلا إلى بحث شيء منها إلا معجزة واحدة لرسول واحد على دين واحد ، إلا القرآن معجزة الإسلام على يد محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم ... لقد ذهبت المعجزات كلها
__________________
(١) الإيمان والعلم الحديث ، ص ١٤٠.