الزوجية في الإلكترون ، أو الكون والكون النقيض
إن الإنسان ، أو أي كائن حي آخر ، يتكون من أعضاء ، وهذه الأعضاء تتكون من أنسجة ، والأنسجة تتكون من خلايا ، والخلايا تتكون من جزئيات ، والجزئيات تتكون من ذرات ، والذرات تتكون من جسيمات ، وهذه الجسميات تعتبر أصغر وحدة من وحدات المادة.
فجسيمات الذرة الأولية هي : البروتون والنيوترون والإلكترون ، أو بمعنى الموجب والمتعادل والسالب ، ولقد كنا نسمع من أساتذتنا أن الله خلق من كل شيء زوجين ، حتى الذرة خلقها الله من زوجين هما النواة والإلكترون الذي يدور حولها ، أو هما السالب والموجب فيهما ، إلا أن هذه المعارف أصبحت بديهية وبدائية ، وليست هي مما أريد الكلام عنه ، وإنما هو أمر وراء الذرة ، إنه أمر تكوين جسيماتها ، في أصل خلقه الأول ، لنضع أيدينا على سر جديد من أسرار الإعجاز الإلهي في خلقه وآياته.
في عام ١٩٢٨ خرج العالم الرياضي الشاب بول ديراك ، الإنجليزي ، خرج على الملأ بنبإ غريب مضمونه معادلة رياضية أصلية تتناول طبيعة الكون. تنبأت هذه المعادلة بأن خلق الإلكترون لن يتأتى إلا عن طريق خلق الزوجين ، وهو ما يعرف ، بالأوساط العلمية الفيزيائية ، بهذا المعنى أيضا (Procreation) ، أي خلق الأزواج أو الزوجين. ولم يكن المراد بهذا أن الخلق يكون عن طريق إعطاء إلكترونين أو بروتونين أو نيوترونين ، وإنما كان بمعنى خلق الإلكترون والإلكترون النقيض ، علما أن هذه النقائض المادية لا يمكن أن يجتمع بعضها لا في الزمان ولا في المكان. فبمجرد خلق الزوجين في عالمنا لا بد أن يهلك أحدها الآخر ويفنيه حين التقائه إياه ، هذه هي المعادلة التي أتى بها بول ديراك ، والتي تحمل هذا النبأ الغريب ، مما جعل الناس لا يلقون لها بالا ، إذ لم تكن عقولهم تهيأت لهذا بعد. ولكن هل تحقق ما تنبأ به ديراك؟ لقد كان العلماء في الماضي يطلقون إلى الجو أجهزة علمية داخل بالونات لتسجيل سر الأشعة الكونية التي تأتي من السماء ، وفي عام ١٩٢٣ استقبل أحد العلماء الأمريكيين ، المهتمين بدراسة الأشعة الكونية ، وهو كارل أندرسون ، استقبل مسارات هذه الأشعة على ألواح حساسة ، وهذه المسارات بمثابة البصمات عند الإنسان ، تحدد للعلماء صفات تلك الأشعة وطبيعتها وشحنتها وشخصيتها. لقد لفت نظره من بين المسارات الكثيرة المسجلة مسيرة غريبة ، ففي لحظة واحدة خاطفة ظهر على لوحه الحساس ولادة جسمين من نقطة واحدة ، انطلق أحدهما إلى