وبهذه الحقائق اليقينية ، التي وضع العلماء أيديهم عليها وآمنوا بها ، أصبحوا يتساءلون : ما دام الأمر كذلك ، فهل يمكن أن يكون هناك ذرة وذرة نقيض لها ، أو مادة ومادة نقيض لها ، أو كون وكون نقيض له ، إذ لا بد لكل شيء أن يكون زوجين ...؟ ...
وبمواصلة البحث توصل العلماء إلى تخليق ذرة هيدروجين نقيضة ، إلا أن تخليقها لم يدم لأكثر من لحظة واحدة خاطفة ، إذ جاء كل ما فيها معاكسا لذرة الهيدروجين المعروفة ، ولا يمكن أن تعيش إلا في عالم آخر غير عالمنا ، وهذا الأمر مستحيل في عالمنا ، إذ لا بد لها أن تصطدم في لحظة خاطفة ، بجزئي من جزئيات الهواء ، أو أي شيء فيه نقيضها لتحطمه ويحطمها ، وتعود إلى طاقة سابحة في هذا الكون. بعد هذه التجربة وهذا الاكتشاف تطورت معارف العلماء وأصبحوا يوقنون أن فكرة خلق الأزواج ليست قاصرة على الجسيمات الذرية ، بل تعدّتها إلى أنه لكل ذرة في هذا الكون ذرة نقيضة لها ، وهذا يعني أن خلق الأزواج لا بد أن يمتدّ إلى جزئيات الخلية ، بل إلى الكون بأسره من الأرض والنجوم والكواكب والمجرات ، إذ لا بد لها أن تكون أزواجا (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك / ٣].
وهذا يعني أيضا أن بناء الكون النقيض في ذراته لا بد أن يكون معكوسا أو نقيضا لبناء عالمنا الذرّي ، بما فيه من شموس وأقمار وكواكب ، ونحن لا يمكننا أن ندرك هذا ، ولا يمكننا أن نفرّق مثلا بين النجم ونقيضه لأننا نراهما بواسطة الضوء الواصل إلينا منهما ، وقد ذكرنا أن النور لا نقيض له ، وإنما يظهر الزوج أو الجسم ونقيضه عند تجسّد النور أو الطاقة ، ولكننا يمكننا أن ندرك النجم ونقيضه مثلا عند ما يقترب أحدهما من الآخر ويتلاحمان ، ويبدأ كل منهما بإفناء الآخر وتحويله إلى موجات ضوئية لا قبل للعقل بتصورها ، بل لا قبل للخيال بذلك ، وذلك ، كما يقول العلماء ، لو تقابل مثلا إنسان من عالمنا مع إنسان من العالم النقيض سيتحولان في لحظة خاطفة إلى طاقة ناتجة عن انفجار كوني جبار لا يقل عن الطاقة المتحررة من تفجير مائة ألف قنبلة من القنابل الهيدروجينية ، فكيف لو تقابل نجمان أو مجرتان ... إنه لا يمكن للعقل أن يتصوّر ما ذا سيحدث.
ومن أجل هذا كان هذا التباعد الهائل في الفضاء بين المجرّات وعوالم هذا الكون الرهيب الرحيب ، فالمسافة بين المجرات لا تقاس بالأميال ولا بملايين الأميال وإنما بملايين السنين الضوئية. إن الذي دفع العلماء إلى هذا التفكير المثير في خلق الكون والكون النقيض إنما هو الواقع الذي رأوه في تجسيد الإلكترون