الجانب. فعظمة المعجزة القرآنية هذه التي تحدّثت لعرب الجاهلية فأعجزتهم تقف اليوم للتحدث للعقول الألكترونية ، ولعلوم الفضاء والفلك والفيزياء النووية والكونية وللهندسة الوراثية والحيوية ، بل ولكل العلوم والنظريات والقوانين بلغة تعجزهم بنفس قوة الإعجاز البلاغي للعرب الفصحاء شعراء وخطباء. إن عظمة الرسالة الإسلامية تكمن في أن المعجزة التي جاء بها الرسول صلىاللهعليهوسلم هي نفس كتابه الذي تضمّن شريعته وعقيدته ، وكتابه هو معجزته ، وما دام الرسول صلىاللهعليهوسلم هو خاتم الأنبياء والرسل ، وما دام قد أرسل إلى الخلق كافة ، من وجدوا في عصره ومن سيوجدون حتى القيامة ، إذن يجب أن تكون له معجزة دائمة بدوام الرسالة لتدلّ كل عصر على نبوّته وصدق رسالته ، فإذا كان المؤمنون السابقون قد آمنوا بالنّبي حينما رأوه ورأوا معجزاته ، فكيف سيؤمن به اللاحقون حتى يوم القيامة إذا لم تكن هناك معجزة حقيقية قائمة تتحدّى كل أحد أن يأتي بمثلها؟ من هنا كان القرآن معجزة دائمة تتحدّى كل عصر وكل زمن وكل جيل ، وبما يتقنه ويتفنّن به ذلك العصر وذلك الجيل ، واليوم ، وعصرنا عصر علوم وثقافة واكتشافات خارقة ، لم يصل إليها جيل سابق بتاريخ البشرية كله ، يقف الإعجاز العلمي للقرآن متحدّيا كل ذلك بما أشار إليه وتحدث عنه من ظواهر علمية سبقت عصره الذي أنزل فيه أوّلا بكثير ، ومن هنا نرى إسلام كثير من علماء الفلك والفضاء والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة .. الخ ، حينما يطّلعون على آيات القرآن التي تخص علومهم ، بل وتتجاوزها إلى مستقبل أرحب ، حتى قام أحدهم بدراسة جميع الكتب المقدسة ، على ضوء آخر اكتشافات العلوم وأحدث القوانين العلمية ، فسقطت جميعها ، لتحريفها عبر الزمن ، وبقي القرآن شامخا صادقا ودليلا وحجة على هؤلاء العلماء وغيرهم ممن يبحثون في أسرار الكون والطبيعة والإنسان.
لقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر / ٩] ، ونحن نجد اليوم صدق هذه الآية بلا نقاش أو جدال ، فلم يزد في القرآن أو ينقص منه حرف واحد بعد ألف وأربعمائة سنة على نزوله ، ورغم أنه لم يجمع في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم ، بل جمع بعد وفاته ، ومع ذلك فقد حفظه الله حفظا ليبقى حجّة ودليلا وهاديا على ساحة الزمن كله ، ألا يكفي أن تكون هذه الآية نفسها دليل صدقه وإعجازه؟ لقد قال هذا القول قبل ألف وأربعمائة سنة ، وها هو اليوم ، كما هو منذ ذلك الزمن حتى الآن ، رغم المحاولات العديدة لتحريفه والزيادة والنقصان فيه. لقد قال تعالى في قرآنه (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل / ٩٣] ، وها نحن اليوم