إن المؤلف يبين علاقة الحقائق العلمية والآيات القرآنية باعتبارها علاقة توافقية ، أو عدم تعارض الواحدة مع الأخرى من خلال القرآن نفسه ، فهو دعا ويدعو إلى العلم في كل آياته المتعلقة به ، ففيه أكثر من سبعمائة وخمسين آية ، وهي أكثر من آيات الأحكام ذاتها ، تعرض لمسائل علمية بعضها عام وبعضها مفصل ، وأعطى القرآن لذوي العلم موقعا متميزا في الدنيا والدين ، وفي معرفة الله ، ومدحهم مدحا كبيرا حينما قال بأنهم هم الذين سيعرفون أن ما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم هو الحق (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ / ٦] ، فالعلم ليس خصما للإيمان ، كما يقول بعض الملحدين ، بل هو دليل إليه.
ويصل المؤلف إلى التأكيد على أن العلوم الطبيعية والفيزياء الكونية هي علوم إسلامية لأنها علوم قرآنية في موضوعها وفي طريقتها ، ويستشهد بآيات كثيرة مما جاء من ذكر العلم في القرآن ، ويشير أيضا إلى الدعوة لمعرفة طبيعة الشمس والقمر في القرآن ، كما قرر القرآن حقائق علمية كثيرة تتعلق بالكون والكائنات ، بل إن القرآن دعا ، كما يقول المؤلف ، إلى البحث العلمي وطلب العلم ، لأن المنهج العلمي كان وراء المعرفة الدقيقة للحقيقة الكونية ، ومن ثم كانت هيمنة العلم على كثير من مظاهر حياتنا ، ولما كان الله قد جعل الإنسان خليفة في الأرض لذا طالبه بأن يكون عالما وعليما بسنن الكون التي ستقوده إلى أن يكون قادرا وأمينا على هذه الخلافة ، ولعل دعوة القرآن للمخاطبين بما يعقلون خمسين مرة ، وبما يعلمون مائة مرة ، وبما يتفكرون ويتفقهون ثلاثين مرة في القرآن دليل واضح على هذا الاهتمام الاستثنائي للقرآن بالعلم. كل هذا كان هو الأساس الذي بنيت عليه «حقيقة عدم تعارض القرآن مع العلم على الإطلاق» ، ولهذا فالمؤلف يؤكد أنه «ما تقدم العلم خطوة إلا وكشف عن ناحية من نواحي الإعجاز العلمي فيه ، وأضاف برهانا جديدا يؤكد أن القرآن كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت / ٤٢].
هكذا ، إذن ، يبين المؤلف قناعاته ليدلل على الرابطة الوثيقة والأكيدة التي تحمل آيات القرآن إلى الحقائق العلمية ، ومع هذا فنراه قلّما يستخدم كلمة إعجاز علمي إلا باستشهاداته عن الآخرين ، وأحيانا كعبارة عرضية ، وإنما أكثر ما يؤكد على كلمة التوافقية بين القرآن والحقيقة العلمية ، اللهم إلا إذا فهمنا هذه التوافقية عنده هي بمعنى الإعجاز العلمي الذي نستخدمه نحن. فحينما يعقد فصلا خاصا عن هذه