الله هو خالق الكون ، وهو المهيمن على قوانين الحركة فيه بإرادته ، وهو في كل ذلك رحمن رحيم ، وتجب عبادته والعمل بشريعته ، وأنه سبحانه وتعالى نظم هذا الكون على أسس وقوانين وسنن غاية في الحكمة والشمولية والدقة ، يقول سبحانه وتعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان / ٢]».
ولو أخذنا مثلا تطبيقيا لمنهج الدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر ، في التوافقية بين آيات القرآن ومفردات العلم واكتشافاته ، لوجدنا مصداقا واقعيا لهذا النهج الدقيق ، وسنحاول أن نقتطع فقرات من فصول مختلفة من كتابه لإيضاح وجهة النظر هذه.
ففي الفصل السادس ، والذي عنوانه (السنن الكونية وقوانين الفطرة بين البحث العلمي والقرآن) يبدأ فيه بفقرة تحت عنوان (كيف يسير الكون) يقول فيه الدكتور :
نبّه القرآن الكريم إلى أن الكون كله يسوده نظام محكم وفق سنن إلهية يسير الكون بمقتضاها ، وقوانين لا تفاوت فيها ولا نقص ، فيقول سبحانه عز من قائل : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك / ٣ ، ٤] ، وقد خلق الله كل شيء في هذا الكون بقدر ، أي بتقدير كمي وزماني وفق ماهية سابقة ، وإن شئت قلت حدّده وأعطاه أو صافه حسب قوانين الفطرة وسنن الكون الشاملة ، وجعل له رتبة وجودية معينة. فمثلا وضع الخالق الأعظم كل موارد الثروة الاقتصادية في الأرض حسب سنن كونية تحقق التوازن في الأرض ، قال تعالى (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت / ١٠] ، أي إن من سنن الله في الكون أن يكون كل شيء فيه برتبة واحدة ، فمعنى قضى وقدّر : حكم ورتّب ، ومعنى القضاء والقدر حكم الله تعالى في شيء ما أن يسير على سنة ما ولأجل ما ، والآيات الكريمة تدلّ على وجود سنن إلهية دقيقة ، وعلى أساسها تم تقدير المخلوقات تقديرا كميّا خاضعا للقياس والنظام الدقيق ، وتتضح تلك المفاهيم في قوله تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان / ٢]. ومن تلك التقديرات الإلهية التي تفلسف سنن الكون وقوانين الفطرة تحديد مسار الشمس وحركتها وفلك القمر ومناطق منازله ، يتضح ذلك في قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس / ٣٨ ، ٣٩] ، ونحن بذلك نرجع بقوانين الكون والفطرة إلى أبسط قواعد الدين الفطري الذي هو الإسلام والذي من أصوله : أن لهذا الكون الباهر البديع غير المتنافر صانعا حكيما لا تدركه الأبصار ، خلق كل شيء