المؤمنين للقرآن تلمذة كاملة شاملة متصلة ، فالمؤمن لا يدخل على القرآن برأيه وإنما يدخل عليه متأدّبا طالبا متتلمذا عالما بعجزه عن التأويل ، وهذا هو أقوى أسباب العلم» ، وأخيرا يصل إلى التعميم التالي لكل ما تقدم فيقول (١) : «فلسنا إذن من يفسّر القرآن أو يؤوله ، وإن كان للرسولصلىاللهعليهوسلم شرف بيانه ، كما هو ظاهر في آياته البيّنات ، وتأويله في حدود العمل به ، إذ العمل نوع من أنواع التأويل ، ومقام الرسول صلىاللهعليهوسلم منه هو مقام الأسوة الحسنة ، ومقامنا نحن مقام التلقّي والأخذ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع الوعي بأن تأويل القرآن على أساس شامل متصل بأمور الغيب جميعا إنما هو من أمر الله وحده ، ولا سبيل لنا إلى ذلك إلا بالإيمان».
ومع أنه يعود ليستثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك على أساس أنه قد يكون أن الله سبحانه قد أطلعه على تأويل من تآويل الغيب ولم يأمر ببيانه ليلة أسري به وعرج به إلى السماوات العلى ، إلّا أنّه يؤكد على أن ظاهر التأويل يدلّنا على أن تأويل الرّسول صلىاللهعليهوسلم للقرآن كان بالنسبة العملية والقولية أي تحقيق القرآن بالعبادات أنه يبني موقفه على قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة / ١٧ ـ ١٩] فيقول بأن الله وحده هو الذي بيّن كلامه والرّسول الأعظم صلوات الله عليه قد بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة بيانا للبيان لا بيانا لشيء محتاج لبيان ، وإننا لنقرأ في سورة الطلاق قوله تعالى (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) [الطلاق / ١١] ، كما نجد في سورة البقرة (٢) (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) [البقرة / ٩٩] ، أما دور الرّسولصلىاللهعليهوسلم في بيان القرآن للناس ، كما يقول المؤلّف ، فيكون في طريقين :
«أحدهما : متصل ببيان بيان القرآن ذاته ، وذلك من قوله تعالى ، كما نجده في سورة النّحل (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل / ٤٤] ، فكون القرآن هو الذكر ، فهو بيان واضح يحتاجه التذكّر الإنساني ليعقد بينه وبين كل شيء العلاقة الصحيحة التي يتمّ بها الوعي بكل شيء ، والفعل المضارع (يَتَفَكَّرُونَ) يبيّن لنا الحالة الآنية بين الإنسان وموضوعات تفكّره وتذكّره.
وثانيهما : هو بيان حقائق الحياة الخارجية ، كما يبيّنها البيان القرآني ، وكما يبلّغ ذلك كلّه الرسول صلوات الله عليه ، فذلك ما نجده في الآية الرابعة والستّين من
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٢٧٩.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٨٢.