مما نبه عليه الكتاب العزيز وشرحته صحاح الأخبار ، قال الله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ..) [الإسراء / ١] الآية ، وقال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم / ١] إلى قوله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [النجم / ١٨] فلا خلاف بين المسلمين في صحة الإسراء به صلىاللهعليهوسلم ، إذ هو نصّ القرآن ، وجاءت بتفصيله وشرح عجائبه وخواص نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم فيه أحاديث كثيرة منتشرة».
وملخص حديث الإسراء والمعراج ، كما أورده ابن قيّم الجوزية في كتابه «زاد المعاد في هدي خير العباد» ، والذي أخذه عن أدق الأحاديث ، يقول (١) : «ثم أسري برسول اللهصلىاللهعليهوسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق ، صحبه جبريل عليهما الصّلاة والسلام ، فنزل هناك وصلّى بالأنبياء إماما وربط البراق بحلقة باب المسجد ... ثم عرج به تلك الليلة من البيت المقدس إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هناك آدم أبا البشر فسلّم عليه فردّ عليهالسلام ورحّب به وأقرّ بنبوته ، وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ، ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم فلقيهما وسلّم عليهما فردّا عليه ورحّبا به وأقرّا بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى يوسف فسلّم عليه ورحّب به وأقرّ بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلّم عليه ورحّب به وأقرّ بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران فسلّم عليه ورحّب به وأقر بنبوّته ، ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران فسلّم عليه ورحّب به وأقرّ بنبوته ، فلما جاوزه بكى موسى فقيل له : ما يبكيك؟ فقال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر مما يدخلها من أمّتي ، ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلّم عليه ورحّب به وأقرّ بنبوته ، ثم رفع إلى سدرة المنتهى ، ثم رفع له البيت المعمور ، ثم عرج به إلى الجبار جلّ جلاله ، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، وفرض عليه خمسين صلاة ، فرجع حتى مرّ على موسى فقال له : بم أمرت؟ قال : بخمسين صلاة ، قال : إن أمّتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار أن نعم إن شئت. فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه ـ وهذا لفظ البخاري في بعض الطرق ـ فوضع عنه عشرا ، ثم أنزل حتى مرّ
__________________
(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ـ ابن قيم الجوزية ، ج ٣ ، ص ٣٤ ـ ٣٥.