والنّبيّ صلىاللهعليهوسلم حين عرج به ألقى كل عنصر من عناصر الجسد العنصري في كرته ، فما وصل إلى فلك القمر حتى ألقى جميع العناصر ، ولم يبق معه إلّا الجسد اللطيف فرقى به حيث شاء الله تعالى ، ثم لما رجع عليه الصّلاة والسّلام رجع إليه ما ألقاه واجتمع فيه ما تفرّق منه ، ولعمري إنه حديث خرافة لا مستند له شرعا ولا عقلا» ، على أنّه بعد أن يعجز عن التفسير الحقيقي لهذه المعجزة ، وبعد أن يحدّد المسافات التي قطعها الرّسول صلىاللهعليهوسلم في إسرائه ومعراجه يعود إلى رأي لطيف ليخرج به من هذا المأزق وللاعتراف بالعجز فيقول : «وقال بعضهم أمر المعراج أجلّ من أن يكيّف ، وما ذا عسى يقال سوى إن المحب القادر الذي لا يعجزه شيء دعا حبيبه الذي خلقه من نوره إلى زيارته ، وأرسل إليه من أرسل من خواص ملائكته ، فكان جبريل هو الآخذ بركابه وميكائيل هو الآخذ بزمام دابته إلى أن وصل إلى ما وصل إليه ، ثم تولّى أمره سبحانه بما شاء حتى حصل ، فأي مسافة تطول على ذلك الحبيب الرّبّاني ، وأي جسم يمتنع عن الخرق لذلك الجسد النوراني ، ومن تأمّل في العين وإحساسها بالقريب والبعيد ، ولو كان فاقدها ، وذكر له حالها لأنكر ذلك إنكارا ما عليه من مزيد ، وكذا في غير ذلك من آثار قدرة الله تعالى الظاهرة في الأنفس والآفاق والواقع على جلالة قدرها الاتفاق ، لم يسعه إلّا تسليم ما نطقت به الآيات وصحت به الروايات».
هكذا فسّر القدامى بعقولهم ومنطقهم مسألة الإسراء والمعراج ، فكيف فسّرها الصوفية بروحانياتهم؟.
ب ـ التفسير الصوفي :
لقد كان تركيز الصوفية ، في تفسيرهم للإسراء والمعراج ، على الجانب التقديري الاعتباري للرّسول صلىاللهعليهوسلم أكثر من الجانب التفسيري العقلي أو العلمي خاصة ، وأن الاتجاه الصوفي ، كما هو معروف ، له اتجاه للإغراق في الروحانيات والأنوار الكشفية وما شاكل ذلك ، ومع هذا فقد كان عندهم من المعاني العميقة والنكات الدقيقة ما كان يعجز عنه أكابر الفلاسفة والمتكلمين وحتى علماء التفسير ، لهذا نرى ابن عربي ، كما ينقل عنه الشعراني ، يقول عن الإسراء والمعراج (١) : «ما نقل الحق تعالى محمّدا صلىاللهعليهوسلم من مكان إلى مكان إلّا ليريه ما خصّ تعالى به ذلك المكان من الآيات والعجائب الدالّة على قدرته تعالى ، من حيث وصف خاص لا يعلم من الله تعالى إلّا بتلك الآية ، كأنه تعالى يقول ما أسريت بعبدي إلّا لرؤية الآيات لا إليّ ،
__________________
(١) جواهر البحار ـ النبهاني ج ٢ ، ص ٤٥ ، عن اليواقيت والجواهر للشعراني.