لأنه لا يحويني مكان ، ونسبة الأمكنة إلى نسبة واحدة ، وكيف أسري بعبدي إليّ وأنا معه حيث كان» ، بل إن الصوفية يدلّلون على أن الإسراء بالجسد والروح من خلال قولهم «إنه لما كان الاستواء على العرش تمدّحا لله عزوجل ، جعل الله لنبيّه صلىاللهعليهوسلم كذلك نسبة على طريق التمدّح عليه ، حيث كان العرش أعلى مقام ينتهي إليه من أسري به من الرّسل عليهم الصلاة والسّلام ، وهذا يدل على أن الإسراء كان بجسمه صلىاللهعليهوسلم ، ولو كان الإسراء رؤيا لما كان الإسراء ولا الوصول إلى هذا المقام تمدّحا ولا وقع من الأعراب في حقّه إنكار على ذلك ، لأن الرؤيا يصل الإنسان فيها إلى مرتبة رؤية الله تعالى ، وهي أشرف الحالات ، ومع ذلك فليس لها ذلك الموقع في النفوس. إن كل إنسان بل كل حيوان له قوة الرؤيا ، قال : وإنما قال صلىاللهعليهوسلم ، على سبيل التمدّح : حتى ظهرت لمستوى سمعت فيه صريف الأقلام. وأتي بحرف الغاية الذي هو حتى إشارة لما قلناه من أن منتهى السير بالقدم المحسوس العرش. والله تعالى أعلم».
ولما أراد الصوفية تفسير المعراج جاءوا بقول لطيف على لسان ابن عربي حينما قال (١) : «ومن كان مؤمنا لا ينكر المعراج ولكن وقوع السير المذكور في مقدار ذلك الزمن اليسير يشكل عند العقل بحسب الظاهر ، وأمّا عند التحقيق فلا إشكال ، ألا ترى أن في الوجود الإنساني شيئا لطيفا ، أعني القلب ، يسير من المشرق إلى المغرب بل في جميع العوالم في آن واحد ، وهو بديهي لا ينكره من له أدنى تمييز حتى البله والصبيان ، أفلا يجوز أن تحصل تلك اللطافة لوجود النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بقدرة الله تعالى ، فوقع ما وقع منه في الزمن اليسير».
هكذا فسّر القدماء ، علماء ومفسّرون ومتكلّمة ومتصوفة ، معجزة الإسراء والمعراج ، ونرى اختلاف منطقهم عن منطق المعجزة العلمي القائم على منطق العلم الحديث الذي يتحدّث عن الطاقة والسرعة والكتلة ونظرية النسبية ، فكيف نظر علماء العصر الحديث لهذه المعجزة!؟.
٢ ـ معجزة الإسراء والمعراج والتفسير العلمي الحديث
لا شك أن محاولة تفسير معجزة الإسراء والمعراج في إطار العلوم الحديثة والقوانين الفيزيائية والكيمياوية ، وفي إطار علوم الفضاء والفلك ، هي محاولة قديمة
__________________
(١) جواهر البحار ـ للنبهاني ج ٢ ، ص ٢٥٤ ، عن روح البيان للبروسوي.