مدبّب كالرمح ، لأنه صادف سنّه ، وقال رابع : إنه مستدير ملتو كثير الحركة ، لأنه صادف خرطومه ، فإن هذا المثل ، مقرونا إلى الصورة التي تتكون لدى المبصر من الفيل لأول ما يراه ، يسمح لنا بالموازنة بين إدراك محمّد كنه وحدة الكون والوجود وتصويره في الإسراء والمعراج ، حيث يتصل بأول الزّمن من قبل آدم إلى آخره يوم البعث ، وحيث تنعدم نهائية المكان ، إذ يطل بعين البصيرة من لدن سدرة المنتهى إلى هذا المكان يصبح أمامه سديما ، وبين ما يستطيع الكثيرون إدراكه من حكمة هذا الإسراء والمعراج ، إذ يقفون عند تفاصيل ليست من وحدة الكون وحياته إلّا كذرات الجسم ، بل كالذرات العالقة به من غير أن يتأثّر بها نظامه. أين الواحدة من هذه الذرّات من حياة هذا الجسم ومن نبض قلبه وإشراق روحه وضياء ذهنه وامتلائه بالحياة التي لا تعرف حدا ، لأنّها تتصل من الوجود بكل حياة الوجود؟ والإسراء بالروح هو في معناه كالإسراء والمعراج بالروح جميعا سموّا وجمالا وجلالا ، فهو تصوير قويّ للوحدة الرّوحية من أزل الوجود إلى أبده ، فهذا التعريج على جبل سيناء ، حيث كلّم الله موسى تكليما ، وعلى بيت لحم ، حيث ولد عيسى ، وهذا الاجتماع الروحي ضمّت الصّلاة فيه محمّدا وعيسى وموسى وإبراهيم مظهر قوي لوحدة الحياة الدينية على أنّها من قوام وحدة الكون في موره الدائم إلى الكمال».
وبعد هذا الوصف اللطيف والمعاني الإنسانية والروحية ، ينتقل الدكتور هيكل للعلم كما يفهمه ، فيقول (١) : «والعلم في عصرنا يقرّ هذا الإسراء بالرّوح ، ويقرّ المعراج بالروح ، فحيث تتقابل القوى السليمة يشعّ ضياء الحقيقة ، كما أن تقابل قوى الكون في صورة معينة قد طوع (لماركوني) ، إذ سلّط تيارا كهربائيا خاصا من سفينته التي كانت راسية بالبندقية ، أن يضيء بقوة الأثير مدينة سدني في أستراليا. وفي عصرنا هذا يقرّ العلم نظريات قراءة الأفكار ومعرفة ما تنطوي عليه ، كما يقرّ انتقال الأصوات على الأثير بالراديو وانتقال الصور والمكتوبات كذلك ، مما كان يعتبر فيما مضى بعض أفانين الخيال. وما تزال القوى الكمينة في الكون تتكشّف لعلمنا كل يوم عن جديد ، فإذا بلغ روح من القوّة ومن السلطان ما بلغت نفس محمّد ، فأسرى به الله ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته ، كان ذلك مما يقرّ العلم ، وكانت حكمة ذلك هذه المعاني القوية السامية في جمالها وجلالها ، والتي تصوّر الوحدة الروحية ، ووحدة الكون في نفس محمّد تصويرا
__________________
(١) حياة محمّد ـ محمّد حسين هيكل ، ص ١٣١.