لا عمل بعد اليوم
أنّ الّذين رصدوا خطوات الحياة منذ درج الإنسان على وجه الأرض ، واستعرضوا الماضي يدركون أنّ جيلنا هذا لم يستقل بخلق المدنيّة الحديثة وإيجادها ، وإنّما هي نتيجة لازمة لإطّراد تقدم الإنسان ورقيّة على سلّم التّصاعد منذ وجد حتّى الآن ، فالسّلف شريك الخلف في كلّ ما تحويه المدنيّة من أفانين وأعاجيب. إنّ حلقة الإتّصال بين الماضي والحاضر هي وراثة الثّاني للأوّل ، في جميع أشيائه الماديّة والمعنويّة ، إنّ حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها بناية واحدة ، وكلّ عصر هو حجر في بنائها ، إذن نحن نعيش بالماضي والحاضر معا ، كما ستعيش الأجيال المقبلة بنا والمستقبل.
لمن هذه الأنظمة والقوانين الّتي ترتكز عليها السّياسة؟ ومتى نشأت هذه الأديان الّتي شيّدت لها المعابد والمعاهد ، ونبتت بذورها وأيعنت في كلّ قلب حتّى سيّرت الأمم والأفراد في مسالكها الخاصّة والعامّة؟ وأين أرباب هذه الألوف من الكتب الّتي فرضت نفسها على الكلّيات والجامعات؟ أمّا منشأ اللّغات وتطورها فعلمها عند ربّي ، فأي مادّة تقع عليها العين نجت من يد الماضي! وأي روح لم تسترشد بحكمته وتهتد بسنائه! وكم حوت كنوز آبائنا العرب من جواهر الحكمة ، فأضاعها ورّاثها الأقربون وانتفع بها الأباعد