فكتب معاوية إلى الحسين :
أمّا بعد : فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقّا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله أنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، فإن كان الّذي بلغني باطلا فإنّك أنت أعزل النّاس لذلك ، وعظ نفسك ، فاذكر ، وبعهد الله أوف فإنّك متى ما تنكرني أنكرك ، ومتى ما تكدني أكدك ، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة وإن يردهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت النّاس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمّد ، ولا يستخفنك السّفهاء والّذين لا يعلمون.
يا لسخرية الأقدار ... الشّجرة الملعونة في القرآن تقول لمن طهّره الله تطهيرا ... انظر لدينك ولأمّة محمّد ... عدوّ الله والرّسول الّذي قال لأهل الكوفة : «يا أهل الكوفة! أترون أنّي قاتلتكم على الصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، وقد علمت أنّكم تصلّون ، وتزكون ، وتحجون ، ولكنّي قاتلتكم لأئتمر عليكم ، وألي رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون. ألا إنّ كلّ دم أصيب في هذه مطلول ، وكلّ شرط شرطته فتحت قدمي هاتين» (١). يقول لربيب الوحي : أنظر لدينك ولأمّة محمّد؟ .. ولكنّ الحسين قد أبطل كيده ، وهدم كهفه ، وأرغم أنفه ، حيث أجابه : أمّا بعد : فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، فإنّ الحسنات لا يهدى لها ولا يسدّد إليها إلّا الله تعالى.
وأمّا ما ذكرت أنّه رقيّ إليك عنّي ، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشّاؤون
__________________
(١) انظر ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢٤٦ ، تأريخ دمشق : ٥٢ / ٣٨٠ ، تأريخ ابن كثير : ٨ / ١٢١ ، الكامل في التّأريخ : ٦ / ٢٢٠ ، مقاتل الطّالبيين : ٧٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١٦ و : ١٦ / ١٥ ، المعرفة والرّجال للبسوي : ٣ / ٣١٨ ، شرح الأخبار : ٢ / ١٥٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٣٥١ ح ٢٣ ، تأريخ دمشق : ٥٢ / ٣٨٠ و : ٥٩ / ١٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٤٠.