روح النّبيّ والوصيّ
قال عبد الله بن عمّار ، وقد شهد معركة الطّفّ : «ما رأيت مكثورا قطّ ، قتل ولده وأهل بيته ، وأصحابه أربط جأشا من الحسين ، وإن كانت الرّجال لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه إنكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذّئب ، وكان يحمل فيهم ، وقد تكاملوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون بين يديه ، كأنّهم الجراد المنتشر ثمّ يرجع إلى مركزه ، وهو يقول : «لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» (١).
لقد دهش هذا الرّاوي من شجاعة الحسين ، ومضي عزمه ، وذهل ، وهو ينظر إليه ، وقد شدّ على ثلاثين ألفا (٢) فتنكشف عنه إنكشاف المعزى إذا شدّ عليها اللّيث ، لقد دهش وذهل ، وما درى أنّه ابن عليّ القائل : «والله لو تظاهرت العرب
__________________
(١) انظر ، تأريخ بغداد : ٣ / ٣٣٤ ، شرح الأخبار : ٢ / ١٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٤٩ و ٧٠ ، المجدي في أنساب الطّالبيّين : ١٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٤ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٩٤ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٣.
(٢) نعتقد أنّ عدد الجيش الأموي في كربلاء يتجاوز الأربعة آلآف ، وهو العدد الّذي يبدو مقبولا لدى المؤرّخين. فقد ورد على لسان الطّرمّاح بن عديّ في كلامه مع الحسين حين لقي الحسين في عذيب الهجانات ، قوله : «... وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من النّاس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقيل : اجتمعوا ليعرضوا ، ثمّ يسرحون إلى الحسين ... انظر ، الطّبري : ٥ / ٤٠٦. وتذكر كتب المقتل عدّة روايات في عدد أفراد الجيش الأموي ، أقربها إلى تمثيل الحقيقة في نظرنا أنّ العدد يتراوح بين عشرين وثلاثين ألفا.