قال أصحاب الشافعى : لو حلف رجل لا يبيت على فراش ، ولا يستسرج سراجا ، فبات على الأرض ، وجلس في الشمس لم يحنث ، لأنّ اللفظ لا يرجع إليهما (١) عرفا (٢).
وأما علماؤنا (٣) فبنوه على أصلهم في الأيمان أنها محمولة على النية ، أو السبب ، أو البساط ، التي (٤) جرت عليه اليمين ، فإن عدم ذلك فالعرف ، وبعد أن لم يكن ذلك (٥) على مطلق اللفظ في اللغة ، وذلك محقّق في مسائل الخلاف.
والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : الأعمال بالنية ، ولكل امرئ ما نوى.
وهذا عامّ في العبادات والمعاملات ، وهذا حديث غريب اجتمعت فيه فائدتان :
إحداهما تأسيس القاعدة.
والثانية عموم اللفظ ، في كلّ حكم (٦) منوىّ. والذي يقول إنه إن حلف ألّا يفترش فراشا وقصد بيمينه الاضطجاع ، أو حلف ألّا يستصبح ، ونوى (٧) ألّا ينضاف إلى نور عينيه نور يعضده ، فإنه يحنث بافتراش الأرض والتنوّر بالشمس ، وهذا حكم جار على الأصل. الآية السادسة ـ قوله تعالى (٨) : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
لم تزل هذه الآية مخبوءة تحت أستار المعرفة حتى هتكها الله عزّ وجلّ بفضله لنا ، وقد تعلّق كثير من الناس بها (٩) في أن أصل الأشياء الإباحة ، إلا ما قام عليه دليل بالحظر (١٠) ، واغترّ به (١١) بعض المحققين وتابعهم عليه.
وقد حققناها في أصول الفقه بما الإشارة إليه أن الناس اختلفوا في هذه الآية على ثلاثة أقوال :
الأول أن الأشياء كلّها على الحظر حتى يأتى دليل الإباحة.
__________________
(١) في ا : إليها.
(٢) في ص : لأن الأيمان محمولة على المعتاد المتعارف من الأسماء ، وليس في العادة إطلاق هذا الاسم للأرض والشمس.
(٣) في ق : وأما المالكية. وعند ما يقول المؤلف : علماؤنا ، فإنما يريد المالكية.
(٤) في ا : الذي.
(٥) في ا : وبعد أن لم يكن ذلك حمل على مطلق اللفظ.
(٦) في ا : والثانية عموم اللفظ فكل حكم.
(٧) في م : وقصد.
(٨) الآية التاسعة والعشرون.
(٩) في ا : بهذا.
(١٠) في م : بالنظر.
(١١) في م : واعتبر.