وبعض الحنث حنث حقيقة ؛ لأن الاجتناب الذي عقده لا يوجد منه (١).
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (هذِهِ الشَّجَرَةَ).
اختلف الناس كيف أكل آدم من (٢) الشجرة على خمسة أقوال :
الأول ـ أنه أكلها سكران (٣) ، قاله سعيد بن المسيّب.
الثاني ـ أنه أكل من جنس الشجرة لا من عينها ، كأن إبليس غرّه بالأخذ بالظاهر ، وهي أول معصية عصى الله بها على هذا القول فاجتنبوه ؛ فإنّ في اتباع الظاهر على وجهه هدم الشريعة (٤) حسبما بيّنّاه في غير ما موضع ، وخصوصا في كتاب النواهي عن الدواهي.
الثالث ـ أنه حمل النهى على التنزيه دون التحريم.
الرابع ـ أنه أكل متأوّلا لرغبة الخلد ، ولا يجوز تأويل ما يعود على المتأول بالإسقاط.
الخامس ـ أنه أكل ناسيا.
فأما القول [الأول] (٥) بأنه أكلها سكران فتعلّق به بعض الناس في أن أفعال السكران معتبرة في الأحكام والعقوبات ، وأنه لا يعذر في فعل ؛ بل يلزمه حكم كلّ فعل ، كما يلزم الصاحي ، كما ألزم الله تعالى آدم حكم الخلاف في المعصية مع السّكر.
وقد اختلف علماؤنا في أفعال السّكران على ثلاثة أقوال : أحدهما أنها معتبرة. الثاني أنها لغو. الثالث أنّ العقود غير معتبرة كالنكاح ، وأن الحلّ معتبر كالطلاق. ولذا (٦) إذا أكل من جنسها فدليل على أنه إذا حلف ألّا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث.
وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث عليه. وقال مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيّتها الجنس حمل عليه ، وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة آدم ؛ فإنه نهى
__________________
(١) في ا : لا يوجد منهما.
(٢) في ا : منها.
(٣) في هامش م هنا : مسألة في أفعال السكران.
(٤) في م : فإن في اتباع الظاهر على وجه هذه الشريعة. ونراه تحريفا.
(٥) من م.
(٦) في م : وأما إذا أكل. وفي هامش م هنا : مسألة فيمن حلف ألا يأكل من شيء فأكل من جنسه.