قال ابن عمر : وهي صدقة الفرض والتطوّع. وقيل : هي سبل الخير كلها ، وهو الصحيح لعموم الآية.
وقد روى الأئمة كلهم أنّ أبا طلحة قال : يا رسول الله ، إنى أسمع الله تعالى يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، وإنّ أحبّ أموالى إلىّ بيرحاء (١) ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : بخ ، بخ. ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلت فيها ، وإنى أرى أن تجعلها في الأقربين ؛ فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه (٢).
وروى الطبري أنّ زيد بن حارثة جاء بفرس له يقال له سبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : تصدّق بهذا يا رسول الله ، فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة ابن زيد بن حارثة ، فقال : يا رسول الله ؛ إنما أردت أن أتصدق به. فقال : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : قد قبلت صدقتك.
المسألة الخامسة ـ قال العلماء : إنما تصدّق به النبىّ صلّى الله عليه وسلّم على قرابة المصدق لوجهين :
أحدهما ـ أن الصدقة في القرابة أفضل ؛ لأنها كما قال في غير هذا الحديث صدقة وصلة.
الثاني ـ أنّ نفس المتصدّق تكون بذلك أطيب وأسلم عن تطرّق الندم إليها.
الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ سبب نزولها ، وفيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ روى (٤) أنّ اليهود أنكروا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحليل لحوم الإبل ، فأخبر الله بتحليلها لهم حتى حرّمها إسرائيل على نفسه.
المعنى إنى لم أحرّمها عليكم ، وإنما كان إسرائيل هو الذي حرّمها على نفسه.
__________________
(١) أرض لأبى طلحة (ياقوت).
(٢) ابن كثير : ١ ـ ٣٨١
(٣) الآية الثالثة والتسعون.
(٤) أسباب النزول : ٦٥