من النبي صلّى الله عليه وسلّم اجتهادا أو بأمر على ما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة ـ حقيقة التحريم المنع ؛ فكلّ من امتنع من شيء مع اعتقاده الامتناع منه فقد حرّمه ، وذلك يكون بأسباب ؛ إما بنذر كما فعل يعقوب في تحريم الإبل وألبانها ؛ وإما بيمين كما فعل النبىّ صلّى الله عليه وسلّم في العسل ، أو في جاريته ؛ فإن كان بنذر فإنّه غير منعقد في شرعنا.
ولسنا نتحقّق كيفية تحريم يعقوب ؛ هل كان بنذر أو بيمين ؛ فإن كان بيمين فقد احلّ الله لنا اليمين بالكفارة أو بالاستثناء المتصل رخصة منه لنا ، ولم يكن ذلك لغيرنا من الأمم.
فلو قال رجل : حرّمت الخبز على نفسي أو اللحم لم يحرم ولم ينعقد يمينا ؛ فإن قال : حرمت أهلى فقد اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا يأتى بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
والصحيح أنه يلزمه تحريم الأهل إذا ابتدأ بتحريمها كما يحرمها بالطلاق ، ولا يلزمه تحريم فيما عدا ذلك ؛ لقوله سبحانه (١) : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا).
الآية الرابعة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ، وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قبل له (٣) : أىّ المسجدين وضع في الأرض أول؟ المسجد الحرام أو المسجد الأقصى؟ قال : المسجد الحرام. وذكر أنه كان بينهما أربعون عاما ؛ وهذا ردّ على من يقول : كان في الأرض بيت قبله تحجّه الملائكة.
المسألة الثانية ـ في بركته.
قيل : ثواب الأعمال. وقيل : ثواب القاصد إليه. وقيل : أمن الوحش فيه. وقيل : عزوف النفس عن الدنايا عند رؤيته.
والصحيح أنه مبارك من كلّ وجه من وجوه الدنيا والآخرة ، وذلك بجميعه موجود فيه.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ٩٠
(٢) الآية السادسة والتسعون والسابعة والتسعون.
(٣) ابن كثير : ٣٨٣