لها في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن حتى يقسطوا لهنّ ، ويعطوهن أعلى سنتهن في الصّداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ.
قال عروة : قالت عائشة : وإنّ الناس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية ، فأنزل الله تبارك وتعالى (١) : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ).
قالت عائشة رضى الله عنها : وقول الله سبحانه في آية أخرى (٢) : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) هي رغبة أحدهم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إن كنّ قليلات المال والجمال ، وهذا نص كتابي البخاري والترمذي ، وفي ذلك من الحشو روايات لا فائدة في ذكرها هاهنا ، يرجع معناها إلى قول عائشة رضى الله عنها.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ).
قال جماعة من المفسرين : معناه أيقنتم وعلمتم ؛ والخوف وإن كان في اللغة بمعنى الظن الذي يترجّح وجوده على عدمه فإنه قد يأتى بمعنى اليقين والعلم.
والصحيح عندي أنه على بابه من الظن لا من اليقين ؛ التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها.
المسألة الثالثة ـ دليل الخطاب ، وإن اختلف العلماء في القول به ؛ فإنّ دليل خطاب هذه الآية ساقط بالإجماع ، فإنّ كلّ من علم أنه يقسط لليتيمة جاز له أن يتزوّج سواها ، كما يجوز ذلك له إذا خاف ألّا يقسط.
المسألة الرابعة ـ تعلّق أبو حنيفة بقوله (فِي الْيَتامى) في تجويز نكاح اليتيمة قبل البلوغ.
وقال مالك والشافعى : لا يجوز ذلك حتى تبلغ وتستأمر ويصحّ إذنها.
وفي بعض رواياتنا إذا افتقرت أو عدمت الصيانة جاز إنكاحها قبل البلوغ.
والمختار لأبى حنيفة أنها إنما تكون يتيمة قبل البلوغ ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة لا يتيمة.
قلنا : المراد به يتيمة بالغة ، بدليل قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ، وهو اسم إنما ينطلق
__________________
(١) سورة النساء ، آية : ١٢٧
(٢) هي الآية السابقة نفسها من سورة النساء ، آية : ١٢٧