ولا خلاف في مذهبنا أن تأخير الصلاة لأجل الجماعة أفضل من تقديمها ؛ فإنّ فضل الجماعة مقدّر معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول ، وتحصيل المعلوم أولى.
وأما الصبح فتقديمها أفضل ، لحديث عائشة رضى الله عنها في الصبح (١) : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح فينصرف النساء ملتفّات بمروطهنّ ما يعرفن من الغلس(٢).
ولحديث جابر رضى الله عنه [في الصبح أيضا] (٣) : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم في صلاة العشاء قد اجتمعوا عجّل ، وإذا رآهم أبطئوا أخر. والصبح كانوا أو كان (٤) النبي صلى الله عليه وسلم يصلّيها بغلس ؛ معناه كانوا مجتمعين أولم يكونوا مجتمعين كان يغلّس بها (٥).
وأما المغرب فلمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الصلاة عند غروب الشمس اقتدى به في ذلك أو امتثل أمره.
وبالجملة فلا يعادل المبادرة إلى أول الوقت شيء. قال الله تعالى ـ مخبرا عن موسى صلى الله عليه وسلم : (٦) (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى).
وروى الدارقطني عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه لما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : أول الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله. قال : رضوان الله أحبّ إلينا من عفوه ؛ فإن رضوانه للمحسنين ، وعفوه للمقصّرين.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الظهر إذا زالت الشمس. ولعله في السفر إذا اجتمع أصحابه ، إذ قد صحّ عنه أنه قال : أبردوا حتى رأينا فيء (٧) التلول.
الآية السابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٨) : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ).
وفي السورة التي بعدها : (٩) (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً). تعلّق بعضهم في أن الشهيد لا يغسّل ولا يصلّى الله عليه بهذه (١٠) الآية ؛ لأن الميت هو الذي
__________________
(١) في م : الصحيح. والحديث في صحيح مسلم : ٤٤٦
(٢) المرط : كساء من صوف أو خز ، جمعه مروط. والغلس : ظلمة آخر الليل.
(٣) ليس في م. (٤) في م : إذا كان.
(٥) صحيح مسلم ٤٤٧
(٦) سورة طه ، آية ٨٤
(٧) الإبراد : انكسار الوهج والحر (النهاية). والفيء : الظل.
(٨) الآية الرابعة والخمسون بعد المائة.
(٩) سورة آل عمران ، آية ١٦٩
(١٠) هنا في هامش م : مسألة : الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه.