يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلّل (١) ، فكان من أهل لمناة يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إنّ الصفا والمروة .... الآية ، ثم سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس ينبغي لأحد أن يدع الطواف بينهما.
قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لأبى بكر بن عبد الرحمن ، فقال : إنّ هذا العلم ، أى ما سمعت به.
(تحقيق هذا الحديث وتفهيمه) : اعلموا وفّقكم الله تعالى ـ أنّ قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة للفعل. وقوله : فلا جناح عليك ألا تفعل إباحة لترك الفعل ؛ فلما سمع عروة رضى الله عنه قول الله سبحانه : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ـ قال: هذا دليل على أن ترك الطواف جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة (٢) على أنّ الطواف لا رخصة في تركه ، فطلب الجمع بين هذين المتعارضين ، فقالت له عائشة رضى الله عنها : ليس قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) دليلا على ترك الطّواف ؛ إنما كان يكون الدليل (٣) على تركه لو كان «فلا جناح عليه ألا يطوف» ؛ فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرّج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ؛ فأعلمهم الله تعالى أنّ الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطلا.
فأدت الآية إباحة الطواف بينهما ، وسلّ سخيمة الحرج التي كانت في صدور المسلمين منها قبل الإسلام [٢٧] وبعده ، وقال الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ؛ أى من معالم (٤) الحجّ ومناسكه ومشروعاته ، لا من مواضع الكفر ، وموضوعاته ؛ فمن جاء البيت حاجّا أو معتمرا فلا يجد في نفسه شيئا من الطواف بهما.
(وهم وتفسير) : [قال الفراء] (٥) : معنى قوله (٦) : لا جناح عليه ألّا يطّوف بهما ، معناه
__________________
(١) جبل يهبط تنه إلى قديد من ناحية البحر.
(٢) في ا : منطبقة.
(٣) في ق : إنما يكون دليلا على تركه لو كان «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» ، فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف.
(٤) في ا : ومعالم.
(٥) من م.
(٦) معاني القرآن للفراء : ١ ـ ٩٥