فهذا الحديث يخصّص بصحة سنده عموم القرآن في تحريم الميتة على قول من يرى ذلك ، وهو نصّ في المسألة.
ويعضده قول الله تعالى (١) : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) ، فصيده ما صيد وتكلف أخذه ، وطعامه ما طفا عليه ، أو جزر (٢) عنه.
ومنهم من خصّصه في [٣٠] السمك خاصة ، ورأى أكل ميتته ، ومنع من أكل الجراد إلا بذكاة ؛ قاله مالك وغيره ؛ وذلك لأنّ عموم الآية يجرى على حاله حتى يخصّصه الحديث الصحيح ، أو الآية الظاهرة ، وقد وجد كلاهما في السمك ، وليس في الجراد حديث يعوّل عليه في أكل ميتته.
أما أكل الجراد فجائز بالإجماع ، وفيه أخبار منها حديث ابن أبى أوفى (٣) : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد معه.
وروى سلمان أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : هو أكثر جنود الله ، لا آكله ولا أحرّمه (٤). ولم يصحّ. بيد أن الخلفاء أكلته ، وهو من صيد البر فلا بدّ فيه من ذكاة على ما يأتى في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : قد قال كعب : إنه نترة حوت (٥).
قلنا : لا ينبنى على قول كعب حكم ؛ لأنه يحدّث عما يلزمنا تصديقه ، ولا يجوز لنا تكذيبه ، وقد بيناه فيما تقدّم.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَالدَّمَ).
اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به ، وقد عيّنه الله تعالى هاهنا مطلقا ، وعيّنه في سورة الأنعام مقيّدا بالمسفوح ، وحمل العلماء هاهنا المطلق على المقيّد إجماعا.
وروى عن عائشة أنها قالت : لو لا أن الله تعالى قال : أو دما مسفوحا لتتبّع الناس ما في العروق ؛ فلا تلتفتوا في ذلك إلى ما يعزى إلى ابن مسعود في الدّم.
ثم اختلف الناس في تخصيص هذا العموم في الكبد والطحال ؛ فمنهم من قال : إنه
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ٩٦
(٢) الجزر ضد المد ، وفعله كضرب.
(٣) صحيح مسلم : ١٥٤٦
(٤) ابن ماجة ، صفحة ١٧٣
(٥) ابن ماجة ، صفحة ١٧٤