سورة البقرة
اعلموا ـ وفّقكم الله ـ أنّ علماءنا قالوا : إنّ هذه السورة من أعظم سور القرآن ؛ سمعت بعض أشياخى يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهى ، وألف حكم ، وألف خبر. ولعظيم فقهها أقام عبد الله بن عمر ثماني سنين في تعلّمها ، وقد أوردنا ذلك عليكم مشروحا في الكتاب الكبير في أعوام ، وليس في فضلها حديث صحيح إلّا من طريق أبى هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، وإنّ البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان. خرّجه الترمذي. وعدم الهدى وضعف القوى وكلب الزمان على الخلق بتعطيلهم وصرفهم عن الحق.
والذي حضر الآن من أحكامها في هذا المجموع تسعون آية :
الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى : (يُؤْمِنُونَ). قد بيّنا حقيقة الإيمان في كتب الأصول ومنها تؤخذ.
المسألة الثانية ـ [٥] قوله : (بِالْغَيْبِ). وحقيقته ما غاب عن الحواسّ مما لا يوصل إليه إلّا بالخبر دون النّظر ، فافهموه.
وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال :
الأول ـ ما ذكرناه كوجوب البعث ، ووجود الجنة ونعيمها وعذابها والحساب. الثاني بالقدر. الثالث بالله تعالى. الرابع يؤمنون بقلوبهم الغائبة عن الخلق لا بألسنتهم التي يشاهدها (٢) الناس ؛ معناه ليسوا بمنافقين.
وكلها قويّة إلا الثاني والثالث ؛ فإنه يدرك بصحيح النظر ، فلا يكون غيبا حقيقة ، وهذا الأوسط وإن كان عامّا فإنّ مخرجه على الخصوص.
والأقوى هو الأول ؛ أنه الغيب الذي أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدى إليه
__________________
(١) الآية الثالثة.
(٢) في ا : شاهدها.