فلما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقها فسبقته ، فقال لها : هذه بتلك.
وروى (١) أنه سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء (٢) ، وكان أمدها ثنية الوداع(٣) ، وسابق بين الخيل التي لا تضمر من الثنية إلى مسجد بنى زريق ، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.
وقد روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم سابق بين العضباء (٤) وغيرها ، فسبقت العضباء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حق على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه.
وفي ذلك من الفوائد رياضة النفس والدواب ، وتدريب الأعضاء على التصرف ، ولا مسابقة إلا بين الخيل والإبل خاصة.
المسألة الثالثة ـ يجوز الاستباق من غير سبق (٥) يجعل ، ويجوز بسبق ، فإن أخرج أحد المتسابقين سبقا على أن يأخذه الآخر إن سبق ، وإن (٦) سبق هو أخذه الذي يليه ، فإنه جائز عند أكثر العلماء. وقاله مالك : وروى ابن مزيد عن مالك أن يأخذه من حضر ، فذلك أيضا جائز ، وإن كان على أن يأخذه الخارج إن سبق ففيه ثلاث روايات : كرهه مالك ، وقال ابن القاسم : لا خير فيه ، وجوّزه ابن وهب ، وبه أقول ، لأنه لا غرر فيه ، ولا دليل يحرّمه.
قال علماؤنا : وهذا إن كان بينهما محلّل ، على أنه إن سبق أخذ منهما أو من أحدهما ، وإن سبق لم يكن عليه شيء جاز ، جوّزه ابن المسيب ومالك في أحد قوليه ومنعه في الآخر ، ولا يشترط فيه معرفة أحد بحال فرس صاحبه ، بل يجوز على الجهالة ولهما حكم القدر ، ومسائل السباق في الفروع مستوفاة.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٧) : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٤٩١.
(٢) أضمرت مثل ضمرت : وهو أن يقلل علفها مدة وتدخل بيتا كنينا وتجلل فيه لتعرق ويجف عرقها ، فيجف لحمها وتقوى على الجري. والحفياء : بينها وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة.
(٣) ثنية الوداع : عند المدينة.
(٤) العضباء : لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن عضباء ـ مشقوقة الأذن (القاموس).
(٥) السبق ـ محركه ، والسبقة ـ بالضم وسكون الباء : الخطر يوضع بين أهل السباق (القاموس).
(٦) في م : فإن.
(٧) آية ١٨.