روى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : إنّا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر؟ قال : هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته.
وروى أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أمّ حرام بنت ملحان ، فنام عندها ، ثم استيقظ وهو يضحك ، فقالت له : ما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمّتى عرضوا علىّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج (١) هذا البحر ملوكا على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة. قالت : فادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ، ثم استيقظ يضحك ، فقالت : يا رسول الله ، وما يضحك؟ قال : ناس من أمّتى عرضوا علىّ غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة ، كما قال في الأولى. قالت : فقلت : ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأولين ... الحديث.
ففي هذا كلّه دليل على جواز ركوب البحر ، ويدلّ عليه من طريق المعنى أنّ الضرورة تدعو إليه ، فإنّ الله ضرب به وسط الأرض ، فانفلقت ، وجعل الخلق في العدوتين ، وقسّم المنافع بين الجهتين ، ولا يوصل إلى جلبها إلا بشقّ البحر [لها] (٢) ، فسهّل الله سبيله بالفلك ، وعلّمها (٣) نوحا صلى الله عليه وسلم وراثة في العالمين بما أراه جبريل ، وقال له : صوّرها على جؤجؤ (٤) الطائر ، فالسفينة طائر مقلوب ، والماء في استفاله للسفينة نظير الهواء في اعتلائه.
المسألة الرابعة ـ أما القرآن فيدل على جواز ركوب البحر مطلقا ، وأما (٥) الحديثان اللذان جلبناهما فيدلّ حديث أبى هريرة على جواز ركوب البحر مطلقا. وأما حديث أنس فيدل على جواز كونه في الغزو ، وهي رخصة من الله أجازها مع ما فيه من الغرر (٦) ، ولكن الغالب منه السلامة ، لأن الذين يركبونه لا حاصر لهم ، والذين يهلكون فيه محصورون.
__________________
(١) ثبج البحر : وسطه ومعظمه.
(٢) من م.
(٣) في م : وحملها. وفي ل مثل ا.
(٤) جؤجؤ الطائر : صدره.
(٥) في م : وأما حديث ما فيه من الغرر.
(٦) غرر بنفسه : عرضها للهلكة ، والاسم الغرر.