الأول ـ أنه لم يقل : إنى حسيب كريم ، وإن كان كما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. ولا قال: إنى مليح جميل ، إنما قال : إنى حفيظ عليم ، سألها بالحفظ والعلم لا بالحسب (١) والجمال.
الثاني ـ سأل ذلك ليوصل إلى الفقراء حظوظهم لا لحظّ نفسه.
الثالث ـ إنما قال ذلك عند من لا يعرفه ، فأراد التعريف (٢) بنفسه ، وصار ذلك مستثنى من قوله (٣) : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ).
الرابع ـ أنه رأى ذلك فرضا متعيّنا عليه ، لأنه لم يكن هنالك غيره.
فإن قيل ـ وهي :
المسألة الثالثة ـ كيف استجاز أن يقبلها (٤) بتولية كافر ، وهو مؤمن نبىّ؟
قلنا : لم يكن سؤال ولاية ، إنما كان سؤال تخلّ وترك ، لينتقل إليه ، فإن الله لو شاء لمكّنه منها بالقتل والموت والغلبة والظهور والسلطان والقهر ، لكن (٥) الله أجرى سنّته على ما ذكر في الأنبياء والأمم ، فبعضهم عاملهم الأنبياء بالقهر [والسلطان] (٦) والاستعلاء ، وبعضهم عاملهم الأنبياء بالسياسة والابتلاء ، يدلّ على ذلك قوله (٧) : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) حسبما تقدم في سورة الأعراف ، وهي الآية الرابعة عشرة.
الآية الخامسة عشرة ـ في قوله تعالى (٨) : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في أمره لهم بالتفرّق. وفي ذلك أقوال ، أظهرها أنه تقاة العين ، ولا
__________________
(١) في م : لا بالنسب.
(٢) في م : فأراد تعريف نفسه.
(٣) سورة النجم ، آية ٣٢.
(٤) في م : يليها.
(٥) في م : فإن الله سبحانه.
(٦) من م.
(٧) آية ٥٦.
(٨) آية ٦٧.