خلاف بين الموحدين أن العين حقّ ، وهو من أفعال الله موجود ، وعند جميع المتشرعين معلوم ، والبارئ تعالى هو الفاعل الخالق ، لا فاعل بالحقيقة ولا خالق إلا هو سبحانه وتعالى(١) : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ). فليس في الوجود شيء من الفلك إلى الذرة ، ولا من دورانه إلى حركة واحدة إلا وهي موجودة بقدرته وعلمه ، ومصرّفة بقضائه وحكمه ، فكلّ ما ترى بعينك أو تتوهّمه بقلبك فهو صنع الله وخلقه ، إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون. ولو شاء لجعل الكلّ (٢) ابتداء من غير شيء ، ولكنه سبّب الأسباب ، وركّب المخلوقات بعضها على بعض ، فالجاهل إذا رأى موجودا بعد موجود ، أو موجودا مرتبطا في العيان بموجود ظنّ أنّ ذلك إلى الرابطة منسوب ، وعليها في الفعل محسوب ، وحاش لله ، بل الكل له (٣) ، والتدبير تدبيره ، والارتباط تقديره ، والأمر كلّه له. ومن أبدع ما خلق النفس ، ركبها في الجسم ، وجعلها معلومة للعبد ضرورة ، مجهولة الكيفية ، إن جاء ينكرها لم يقدر بما (٤) يظهر من تأثيرها على البدن وجودا وعدما ، وإن أراد المعرفة بها (٥) لم يستطع ، فإنه لا يعلم لأى شيء ينسبها ، ولا على أىّ معنى يقيسها ، وضعها الله المدبّر في البدن على هذا الوضع ليميز (٦) الإيمان به ، إذ يعلم بأفعاله ضرورة ، ولا يوصل إلى كيفيته لعدمها فيه ، واستحالتها عليه ، وذلك هو معنى قوله (٧) : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) على أحد التأويلات.
ولها آثار يخلقها الباري في الشيء عند تعلّقها به ، منها العين وهو معنى يحدث بقدرة الله على جرى العادة في المعين ، إذا أعجبت منظرته العائن فيلفظ به ، إما إلى عروّ ألم في المعين ، وإما إلى الفناء ، بحسب ما يقدّره الله تعالى ، ولهذا المعنى نهى العائن عن التلفظ بالإعجاب ، لأنه إن لم يتكلم لم يضرّ اعتقاده عادة ، وكما أنفذ الباري من حكمه أن يخلق في بدن المعين
__________________
(١) سورة الرعد ، آية ١٦.
(٢) في م : الأشياء.
(٣) في م : بل الكل لله.
(٤) في م : لما.
(٥) في م : لها.
(٦) في ا : ليمهد.
(٧) سورة الذاريات ، آية ٢١. (٤ ـ أحكام ـ ٣)