ألما أو فناء ، فكذلك سبق من حكمته أنّ العائن إذا برّك أسقط قوله بالبركة قوله بالإعجاب ، فإن لم يفعل سقط حكمه بالاغتسال.
وقد اعترض على ذلك الأطباء ، واعتقدوه من أكاذيب النقلة ، وهم محجوجون بما سطّروا في كتبهم من أنّ الكون والفساد يجرى على حكم الطبائع الأربع ، فإذا شذّ شيء (١) قالوا : هذه خاصّة خرجت من مجرى الطبيعة لا يعرف لها سبب ، وجمعوا من ذلك ما لا يحصى كثرة ، فهذا الذي نقله الرواة عن صاحب الشريعة خواصّ شرعية بحكم إلهية ، يشهد لصدقها وجودها كما وصفت ، فإنا نرى العائن إذا برّك امتنع ضرره ، وإن اغتسل شفى معينه ، وهذا بالغ في فنّه ، فلينظر على التمام في مواضعه من كتب الأصول وشرح الحديث ، وهذه النبذة تكفى في هذه العارضة.
المسألة الثالثة ـ قوله : (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها).
قالوا : هذا يدلّ على أنه حملهم على التفرق مخافة العين ، ثم قال : وهذا لا يردّ القدر ، إنما هو أمر تأنس به النفوس ، وتتعلّق به القلوب ، إذ خلقت ملاحظة للأسباب. ويفترق اعتقاد الخلق ، فمن لحظ الأسباب من حيث إنها أسباب في العادة لا تفعل شيئا ، وإنما هي علامات فهو الموحّد ، ومن نسبه إليها فلا واعتقدها مدبّرة فهو الجاهل أو الملحد.
الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).
الآية فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ إنما جعل السقاية حيلة في الظاهر لأخذ الأخ منهم ، إذ لم يكن ذلك ممكنا له ظاهرا من غير إذن من الله [ولم يمنع الحيلة] (٣) ، والله قادر على الظاهر والباطن ، حكيم في تفصيل الحالين.
فإن قيل ، وهي :
__________________
(١) في ا : شذ شيء عما قننوه.
(٢) آية ٧٠.
(٣) ليس في م.