وقال الآخر :
وإنى زعيم إن رجعت ممّلكا |
|
بسير ترى منه الغرانق أزورا |
قال الإمام أبو بكر : هذا الذي قاله القاضي أبو إسحاق صحيح ، بيد (١) أنّ الزعامة فيه نص ، فإذا قال : أنا زعيم فمعناه أنى ملتزم ، وأى فرق بين أن يقول : ألتزمه عن نفسي أو التزمت عن غيرى؟
المسألة الثانية ـ قوله : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) :
إنما يكون في الحقوق التي تجوز النيابة فيها ، وأما كلّ حقّ لا يقوم فيه أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيها. وقد تقدم ذكره ، وتركب على هذا مسألة ، وهي :
المسألة الثالثة ـ إذا قال : أنا زعيم لك بوجه فلان. قال مالك : يلزمه. وقال الشافعى : لا يلزمه ، لأنه غرر ، إذ لا يدرى هل يجده أم لا؟ والدليل على جوازه أنّ المقصود بالزعامة تنزيل الزعيم (٢) مقام الأصل ، والمقصود من حضور الأصل أداء المال ، فكذلك الزعيم. ومسائل الضمان كثيرة ذكرناها في مسائل الخلاف والفروع.
المسألة الرابعة ـ كما أنّ لفظ الآية نص في الزعامة فمعناها نص في الجعالة ، وهي نوع من الإجارة (٣) ، لكن الفرق بين الجعالة والإجارة أنّ الإجارة يتقدر فيها العوض والمعوّض من الجهتين ، والجعالة يتقدر فيها الجعل والعمل غير مقدر.
ودليله أنّ الله سبحانه شرع البيع والابتياع في الأموال لاختلاف الأغراض (٤) وتبدل الأحوال ، فلما دعت الحاجة إلى انتقال الأملاك شرع لها سبيل البيع وبيّن أحكامه ، ولما كانت المنافع كالأموال في حاجة إلى استيفائها ، إذ لا يقدر كلّ أحد أن يتصرف لنفسه في جميع أغراضه نصب الله الإجارة في استيفاء المنافع بالأعواض ، لما في ذلك من حصول الأغراض ، وأنكرها الأصم ، وهو عن الشريعة أصم ، فقد فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم الإجارة ، وفعلها الصحابة ، وقد بيناها في كتب الخلاف.
__________________
(١) في ا : فيه.
(٢) في م : الزعم.
(٣) في هامش م : «مسائل الإجارة والعوض».
(٤) في م : الأعراض.