الدائرة الثالثة ـ دائرة المتفق ، وينفكّ منها في الأصل الهزج ، والرجز ، والرمل ، ثم يزيد عليها ما يرجع إليها.
الدائرة الرابعة ـ دائرة المجتثّ يجرى عليها ستة أبحر : وهي السريع ، والمنسرح ، والخفيف ، والمضارع ، والمقتضى ، والمجتثّ ، ويزيد (١) عليها ما يجرى معها في أفاعيلها.
الدائرة الخامسة ـ دائرة المنفرد ، وينفكّ منها عند الخليل والأخفش بحر واحد : وهو المتقارب ، وعند الزجاج بحر آخر سموه المجتث (٢) والمتدارك وركض الخيل.
ولقد اجتهد المجتهدون في أن يجروا القرآن أو شيئا منه على وزن من هذه الأوزان فلم يقدروا ، فظهر عند الولىّ والعدو أنه ليس بشعر ، وذلك قوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ). وقال (٣) : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ).
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَما يَنْبَغِي لَهُ) تحقيق في نفى ذلك عنه.
وقد اعترض جماعة من فصحاء الملحدة علينا في نظم القرآن والسنّة بأشياء أرادوا بها التلبيس على الضعفة ، منها قوله (٤) : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، وقالوا : إنّ هذا من بحر المتقارب ، على ميزان قوله :
فأمّا تميم تميم بن مر |
|
فألفاهم القوم رءوسا نياما |
وهذا إنما اعترض به الجاهلون بالصناعة ، لأن الذي يلائم هذا البيت من الآية قوله : فلما ... إلى قوله «كل». وإذا وقفنا عليه لم يتم الكلام. وإذا أتممناه بقوله : (شَيْءٍ شَهِيدٌ) خرج عن وزن الشعر ، وزاد فيه ما يصير به عشرة أجزاء كلها على وزن فعولن ، وليس في بحور الشعر ما يخرج البيت منه من (٥) عشرة أجزاء ، وإنما أكثره ثمانية.
ومنها قوله (٦) : (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) ، ادّعوا أنه من بحر الوافر ، وقطّعوه : مفاعيل مفاعيل فعولن مفاعيل مفاعيل فعولن ، وهو على وزن قول الأول :
__________________
(١) في م : ويجرى عليها ما يجرى.
(٢) في ا : المحدث.
(٣) سورة الحاقة ، آية ٤١.
(٤) سورة المائدة ، آية ١٢٠.
(٥) في ا : ما يخرج البيت عن.
(٦) سورة التوبة ، آية ١٥.