الرابع عشر ـ قوله (١) : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).
والمراد هاهنا من جملة الأقوال حسن الصوت ، فإن سائرها قد بيناه في موضعه في كتاب الأنبياء من المشكلين. وكان داود عليه السلام ذا صوت حسن ووجه حسن ، وله قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى موسى الأشعرى : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ، وهي :
المسألة الثانية ـ وفيه دليل على الإعجاب بحسن الصوت ، وقد روى عبد الله بن مغفّل ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ـ أو جمله ـ وهي تسير به ، وهو يقرأ سورة الفتح ـ أو من سورة الفتح ـ قراءة لينة وهو يرجع ، ويقول آ ، واستحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالألحان والترجيع ، وكرهه مالك. وهو جائز لقول أبى موسى للنبي عليه السلام : لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا ، يريد لجعلته لك أنواعا حسانا ، وهو التلحين ، مأخوذ من الثواب المحبر ، وهو المخطّط بالألوان.
وقد سمعت تاج القراء ابن لفتة بجامع عمرو يقرأ (٢) : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ). فكأنى ما سمعت الآية قط.
وسمعت ابن الرفاء ـ وكان من القرّاء العظام ـ يقرأ ، وأنا حاضر بالقرافة : (كهيعص) ، فكأنى ما سمعتها قط.
وسمعت بمدينة السلام شيخ القراء البصريين يقرأ في دار بها الملك : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) ، فكأنى ما سمعتها قط حتى بلغ إلى قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ، فكأنّ الإيوان قد سقط علينا. والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تضع للوجه الحسن ، وما تتأثّر به القلوب في التقوى فهو أعظم في الأجر وأقرب إلى لين القلوب وذهاب القسوة منها (٣).
وكان ابن الكازروني (٤) يأوى إلى المسجد الأقصى ، ثم تمتعنا به ثلاث سنوات ، ولقد كان يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطّور ، فلا يقدر أحد أن يصنع شيئا طول قراءته إلا الاستماع (٥) إليه.
__________________
(١) سورة النمل ، آية ١٦.
(٢) سورة الإسراء ، آية ٧٩.
(٣) في ا : منه.
(٤) في م ، ش : الكازونى والمثبت في ا ، واللباب.
(٥) في ش : الإصغاء.