قد قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتا ، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم ، وإظهار الحزن عليهم ، لا سيما من بذل نفسه وجاهد حتّى قتل ، لمقصد سام وغاية نبيلة. وقد جرت على ذلك الأمم في كل عصر وزمان ، وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى مفاخرها.
فحقيق بالمسلمين بل جميع الأمم ، أن يقيموا الذكرى في كل عام للحسين ابن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، فإنه من عظماء الرجال وأعاظمهم في نفسه ، ومن الطراز الأول. جمع أكرم الصفات وأحسن الأخلاق وأعظم الأفعال وأجلّ الفضائل والمناقب ؛ علما وفضلا ، وزهادة وعبادة ، وشجاعة وسخاء ، وسماحة وفصاحة ، ومكارم أخلاق ، وإباء للضيم ، ومقاومة للظلم. وقد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر والنسب ، فهو أشرف الناس أبا وأمّا وجدا وجدة وعمّا وعمة وخالا وخالة ... وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ولا بعده ، فبذل نفسه وماله وآله في سبيل إحياء الدين ، وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنية على الدنيّة ، وميتة العزّ على حياة الذل ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام. وأظهر من إباء الضيم وعزّة النفس ، والشجاعة والبسالة ، والصبر والثبات ، ما بهر العقول وحيّر الألباب. واقتدى به في ذلك كل من جاء بعده ، حتّى قال القائل :
وإن الألى بالطف من آل هاشم |
|
تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا |
وحقيق بمن كان كذلك ، أن تقام له الذكرى في كل عام ، وتبكي له العيون دما بدل الدموع. وأي رجل في الكون قام بما قام به الحسين عليهالسلام؟.
ـ هل يوم عاشوراء يوم فرح أم يوم ترح؟ : (المصدر السابق ص ١٣٩)
وليس أعجب ممن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور واكتحال ، وتوسعة على العيال ، لأخبار وضعت في زمن الملك العضوض ، اعترف بوضعها النقّاد ، وسنّة سنّها الحجاج بن يوسف ، عدوّ الله وعدو رسوله. وأي مسلم تطاوعه نفسه أو يساعده قلبه على الفرح في يوم قتل ابن بنت نبيّه؟!. وريحانته وابن وصيه؟. وبما ذا يواجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبماذا يعتذر إليه؟. وهو مع ذلك يدّعي محبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله!. ومن شروط المحبة ، الفرح لفرح المحبوب ، والحزن لحزنه!.