فيه. ولأن الأمة كما ذكرنا في عصر الإمام الحسن عليهالسلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسين عليهالسلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ، وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن الحسين عليهالسلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الحسين عليهالسلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه»(١).
هذا القول الأخير هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة (٢).
فالحسين عليهالسلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ، وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية وموقفها الصارم من الإنحراف.
٢٧٥ ـ الحسين عليهالسلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :
وإزاء إصرار الإمام عليهالسلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسين عليهالسلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمام عليهالسلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».
ولمن يريد أن يفهم الحسين عليهالسلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج
__________________
(١) القول للفرزدق الشاعر ، انظر الطبري ، ج ٤ ص ٢٩٠.
(٢) ثورة الحسين عليهالسلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٢١.