يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم ، ج ١ ص ٣٤٠ :
ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا (يقصد المعتزلة ، وهم فرقة من السنة) ، يرمى بالزندقة. وقد ذكرنا في نقض (السفيانية) على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ، ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. ولو لم يكن شيء من ذلك ، لكان في محاربته الإمام عليهالسلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفّرها التوبة.
لقد اجتمع في معاوية على الإمام علي عليهالسلام ضغنان : ضغن عصبي منشؤه جاهلي ، وضغن ديني منشؤه عدم الإيمان بالإسلام.
ولقد اتبع معاوية للوصول إلى الحكم خطين :
الأول : التردّي برداء الإسلام بقدر ما يخدم ذلك مصالحه ويوصله إلى مآربه في الملك.
الثاني : بما أنه لا يقارن بالإمام علي عليهالسلام بشيء من الأشياء ، وليس هو ممن تجوز له الخلافة بحال من الأحوال ، فقد اتّبع الأسلوب المعاكس (أو ما نسميه بالإعلام المضاد) في خلق الدعايات المضللة ضد الإمام علي عليهالسلام ليحط من قيمة الإمام في نظر الناس ، فيرتفع هو على حساب ذلك. وكان من ذلك أنه ادّعى على الإمام علي عليهالسلام أنه قتل عثمان أو شرك في دمه ، فكان لا بدّ له ـ وهو من بني أمية ـ أن يأخذ بثأره ، وبهذه الحيلة يصل إلى الحكم. وليس من الغريب على من لا يفرّقون بين الناقة والجمل ، أن يقنعهم معاوية أن مثل علي بن أبي طالب يجب لعنه وسبّه حتّى على منابر الإسلام ، فبدأ بسبّه هو ومن بعده يزيد البارّ به وبنو أمية ألف شهر ، وهي مدة حكمهم البالغة نحو ثلاث وثمانين سنة.
٣١٦ ـ من المسؤول الحقيقي عن دم عثمان؟ تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل :
(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)
يقول الأستاذ محمّد كرد علي : واختلفت الآراء في تبعة معاوية من مقتل عثمان ، فقال فريق : إن عثمان كتب إلى معاوية : «إن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة