يقول زين العابدين عليهالسلام : ففهمت ما قال ، وعرفت ما أراد ، وخنقتني العبرة فرددتها ، وعلمت أن البلاء قد نزل بنا.
وأما عمتي زينب عليهاالسلام فإنها لما سمعت ما سمعت ، وهي امرأة ـ ومن شأن النساء الرقة والجزع ـ لم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة ، حتّى انتهت إليه ، وهي تقول :
واثكلاه!. ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن عليهمالسلام. يا خليفة الماضي وثمال الباقي.
فنظر إليها الحسين عليهالسلام ، ثم قال : يا أخيّة لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، فإن الموت نازل لا محالة. فقالت : بأبي وأمي أتستقتل ، نفسي لك الفدا؟. فردّت عليه غصته ، وترقرقت عيناه بالدموع ، ثم قال : لو ترك القطا ليلا لنام!. فقالت زينب عليهاالسلام : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ثم لطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها فشقّته ، وخرّت مغشيا عليها.
فقام إليها الحسين عليهالسلام فصبّ على وجهها الماء حتّى أفاقت ، وقال لها : يا أخيّة ، اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون.
ثم قال لها : يا أختاه ، إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي ؛ لا تشقّي عليّ جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت.
(أقول) : ومما يرجح أن تكون هذه الحادثة حدثت في هذا الموقف وليس ليلة العاشر من المحرم ، أن الحسين عليهالسلام لا يصبّ على وجه زينب الماء في تلك الليلة ، وهو لا يملك منه قطرة لشرب الأطفال والعيال.
ـ تعليق على قوله عليهالسلام : يا دهر أفّ لك من خليل :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٧٦)
يقول الفاضل الدربندي : إن قصد الحسين عليهالسلام من الدهر هنا ، ليس الزمان وإنما الدنيا ، أو إن قصده من الدهر أهل الدهر ؛ وغرضه من قوله هو توبيخ أهل الدنيا الذين يغترون بها. وهذا مثل قول الإمام علي عليهالسلام : «يا دنيا غرّي غيري». لأن الدهر بمعنى الزمان هو من خلق الله ، ولا يجوز سبّه ، مصداقا لما ورد في بعض الآثار : «لا تسبّوا الدهر ، فإن الدهر هو الله». أي هو من مخلوقات الله.