٨٣٢ ـ نصيحة الحر بن يزيد لأهل الكوفة بعد توبته :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩١)
ثم استأذن الحر الحسين عليهالسلام في أن يكلم القوم ، فأذن له. فنادى بأعلى صوته : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر (١) إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه (٢) وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وحلّأتموه (٣) ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري ، الّذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. وهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلّفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.
(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :
وإذا لم تنصروه وتفوا له بما حلفتم عليه ، فدعوه يمضي حيث شاء من بلاد الله. أما أنتم مؤمنون؟!. وبنبوّة محمّد جده مصدّقون؟!. وبالمعاد موقنون؟!.
فحملت عليه الرجّالة ترميه بالنبل ، فتقهقر حتّى وقف أمام الحسين عليهالسلام (٤).
٨٣٣ ـ الرجوع عن الخطأ فضيلة :
(بقلم المؤلف)
(التربية الطيبة تكفل رجوع الإنسان إلى الحق مهما انحرف)
كثير أولئك الذين تتاح لهم في صغرهم فرض التربية والتهذيب ، والتنشئة الصالحة على المبادئ الأخلاقية الحميدة ، فتنطبع بها نفوسهم ، وتختلط نفحاتها بدمائهم .. ثم لا يلبثون أن تعترضهم في بداية حياتهم تقلبات من الزمان وتبدلات ، فيزهدون في تلك المبادئ السامية ، ويميلون إلى معاقرة الباطل والاستئناس به .. ثم هي فترة تمرّ من الزمن ، وإذا بهم قد استيقظوا وجلين مذعورين ، على أصوات ضميرهم ووجدانهم ، تدعوهم إلى النهوض من غفلتهم واليقظة من سكرتهم. فيطيحون بالباطل عن عاتق كواهلهم ، ويكنسون رواسبه من صفحات قلوبهم ،
__________________
(١) الهبل (بالتحريك والفتح) : الثّكل. والعبر : الحزن وجريان الدمعة.
(٢) الكظم (بالتحريك والفتح) : مخرج النّفس ، ويقال أخذ بكظمه : أي كربه وغمّه.
(٣) حّلأتموه : طردتموه ومنعتموه.
(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧ ، وشبيه هذا الكلام في مقتل أبي مخنف ص ٧٨.